الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذا الدعاء من بقية كلام الراسخين في العلم ، وذلك لأنهم لما طلبوا من الله تعالى أن يصونهم عن الزيغ ، وأن يخصهم بالهداية والرحمة ، فكأنهم قالوا : ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقضية منقرضة ، وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ، ونعلم أن وعدك لا يكون خلفا وكلامك لا يكون كذبا ، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد ، ومن أعطيته التوفيق والهداية والرحمة وجعلته من المؤمنين ، بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد ، فالغرض الأعظم من ذلك الدعاء ما يتعلق بالآخرة . بقي في الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قوله ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ) تقديره : جامع الناس للجزاء في يوم لا ريب فيه ، فحذف لكون المراد ظاهرا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الجبائي : إن كلام المؤمنين تم عند قوله ( ليوم لا ريب فيه ) فأما قوله ( إن الله لا يخلف الميعاد ) فهو كلام الله عز وجل ، كأن القوم لما قالوا ( إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ) صدقهم الله تعالى في ذلك وأيد كلامهم بقوله ( إن الله لا يخلف الميعاد ) كما قال حكاية عن المؤمنين في آخر هذه السورة ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) [ آل عمران : 194 ] ومن الناس من قال : لا يبعد ورود هذا على طريقة العدول في الكلام من الغيبة إلى الحضور ، ومثله في كتاب الله تعالى كثير ، قال تعالى : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ يونس : 22 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : فلم قالوا في هذه الآية ( إن الله لا يخلف الميعاد ) وقالوا في تلك الآية ( إنك لا تخلف الميعاد ) [ آل عمران : 194 ] . [ ص: 159 ] قلت : الفرق والله أعلم أن هذه الآية في مقام الهيبة ، يعني أن الإلهية تقتضي الحشر والنشر لينتصف للمظلومين من الظالمين ، فكان ذكره باسمه الأعظم أولى في هذا المقام ، أما قوله في آخر السورة ( إنك لا تخلف الميعاد ) فذاك المقام مقام طلب العبد من ربه أن ينعم عليه بفضله ، وأن يتجاوز عن سيئاته فلم يكن المقام مقام الهيبة ، فلا جرم قال : ( إنك لا تخلف الميعاد ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية