الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال الله تعالى : ( واذكر ربك كثيرا ) وفيه قولان : أحدهما : أنه تعالى حبس لسانه عن أمور الدنيا " إلا رمزا " فأما في الذكر والتسبيح ، فقد كان لسانه جيدا ، وكان ذلك من المعجزات الباهرة . والثاني : إن المراد منه الذكر بالقلب وذلك ؛ لأن المستغرقين في بحار معرفة الله تعالى عادتهم في الأول أن يواظبوا على الذكر اللساني مدة فإذا امتلأ القلب من نور ذكر الله سكت اللسان وبقي الذكر في القلب ، ولذلك قالوا : من عرف الله كل لسانه ، فكأن زكريا - عليه السلام - أمر بالسكوت واستحضار معاني الذكر والمعرفة واستدامتها .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وسبح بالعشي والإبكار ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ( العشي ) من حين نزول الشمس إلى أن تغيب ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                            فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق



                                                                                                                                                                                                                                            والفيء ، إنما يكون من حين زوال الشمس إلى أن يتناهى غروبها ، وأما الإبكار فهو مصدر بكر يبكر إذا خرج للأمر في أول النهار ، ومثله بكر وابتكر وبكر ، ومنه الباكورة لأول الثمرة ، هذا هو أصل اللغة ، ثم سمي ما بين طلوع الفجر إلى الضحى : إبكارا ، كما سمي إصباحا ، وقرأ بعضهم " والأبكار " بفتح الهمزة ، جمع بكر كسحر وأسحار ، ويقال : أتيته بكرا بفتحتين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في قوله : ( وسبح ) قولان : أحدهما : المراد منه : وصل لأن الصلاة تسمى تسبيحا قال الله تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون ) وأيضا الصلاة مشتملة على التسبيح ، فجاز تسمية الصلاة بالتسبيح ، وهاهنا الدليل دل على وقوع هذا المحتمل وهو من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنا لو حملناه على التسبيح والتهليل لم يبق بين هذه الآية وبين ما قبلها وهو قوله : ( واذكر ربك ) فرق ، وحينئذ يبطل ؛ لأن عطف الشيء على نفسه غير جائز .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو أنه شديد الموافقة لقوله تعالى : ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) [ هود : 114] ، وثانيهما : أن قوله : ( واذكر ربك ) محمول على الذكر باللسان .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية