الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : ( اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) ففيه سؤالات :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : المسيح : هل هو اسم مشتق ، أو موضوع ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال أبو عبيدة والليث : أصله بالعبرانية مشيحا ، فعربته العرب وغيروا لفظه ، وعيسى : أصله يشوع كما قالوا في موسى : أصله موشى ، أو ميشا بالعبرانية ، وعلى هذا القول لا يكون له اشتقاق .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 44 ] والقول الثاني : أنه مشتق وعليه الأكثرون ، ثم ذكروا فيه وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن عباس : إنما سمي عيسى - عليه السلام - مسيحا ، لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ من مرضه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال أحمد بن يحيى : سمي مسيحا لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها ، ومنه مساحة أقسام الأرض ، وعلى هذا المعنى يجوز أن يقال : لعيسى مسيح بالتشديد على المبالغة كما يقال للرجل فسيق وشريب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنه كان مسيحا ؛ لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى ، فعلى هذه الأقوال : هو فعيل بمعنى : فاعل ، كرحيم بمعنى : راحم .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أنه مسح من الأوزار والآثام .

                                                                                                                                                                                                                                            والخامس : سمي مسيحا لأنه ما كان في قدمه خمص ، فكان ممسوح القدمين .

                                                                                                                                                                                                                                            والسادس : سمي مسيحا ؛ لأنه كان ممسوحا بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء ، ولا يمسح به غيرهم . ثم قالوا : وهذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبيا .

                                                                                                                                                                                                                                            السابع : سمي مسيحا ؛ لأنه مسحه جبريل - صلى الله عليه وسلم - بجناحه وقت ولادته ليكون ذلك صونا له عن مس الشيطان .

                                                                                                                                                                                                                                            الثامن : سمي مسيحا ؛ لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن .

                                                                                                                                                                                                                                            وعلى هذه الأقوال يكون المسيح ، بمعنى : الممسوح ، فعيل بمعنى : مفعول . قال أبو عمرو بن العلاء المسيح : الملك .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال النخعي : المسيح الصديق والله أعلم . ولعلهما قالا ذلك من جهة كونه مدحا لا لدلالة اللغة عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأحد وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : لأنه ممسوح أحد العينين .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه يمسح الأرض أي : يقطعها في المدة القليلة ، قالوا : ولهذا قيل له : دجال لضربه في الأرض ، وقطعه أكثر نواحيها ، يقال : قد دجل الدجال إذا فعل ذلك ، وقيل : سمي دجالا من قوله : دجل الرجل إذا موه ولبس .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : المسيح كان كاللقب له ، وعيسى كالاسم فلم قدم اللقب على الاسم ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : أن المسيح كاللقب الذي يفيد كونه شريفا رفيع الدرجة ، مثل الصديق والفاروق فذكره الله تعالى أولا بلقبه ليفيد علو درجته ، ثم ذكره باسمه الخاص .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثالث : لم قال عيسى ابن مريم والخطاب مع مريم ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : لأن الأنبياء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات ، فلما نسبه الله تعالى إلى الأم دون الأب ، كان ذلك إعلاما لها بأنه محدث بغير الأب ، فكان ذلك سببا لزيادة فضله وعلو درجته .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الرابع : الضمير في قوله : اسمه عائد إلى الكلمة وهي مؤنثة فلم ذكر الضمير ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : لأن المسمى بها مذكر .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الخامس : لم قال اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، والاسم ليس إلا عيسى ، وأما المسيح فهو لقب ، وأما ابن مريم فهو صفة ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : الاسم علامة المسمى ومعرف له ، فكأنه قيل : الذي يعرف به هو مجموع هذه الثلاثة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية