الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في هذه الآية قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : أنها كلام مستقل بنفسه ووعيد عام في حق كل من كفر بالله ، ولا تعلق له بما قبله .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : أنه متعلق بما قبله ، والقائلون بهذا القول منهم من حمله على تارك الحج ومنهم من حمله على من لم يعتقد وجوب الحج ، أما الذين حملوه على تارك الحج فقد عولوا فيه على ظاهر الآية ، فإنه لما تقدم الأمر بالحج ثم أتبعه بقوله : ( ومن كفر ) فهم منه أن هذا الكفر ليس إلا ترك ما تقدم الأمر به ، ثم إنهم أكدوا هذا الوجه بالأخبار ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " وعن أبي أمامة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم تمنعه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا " وعن سعيد بن جبير : لو مات جار لي وله ميسرة ولم يحج لم أصل عليه ، فإن قيل : كيف يجوز الحكم عليه بالكفر بسبب ترك الحج ؟

                                                                                                                                                                                                                                            أجاب القفال رحمه الله تعالى عنه : يجوز أن يكون المراد منه التغليظ ، أي قد قارب الكفر وعمل ما يعمله من كفر بالحج ، ونظيره قوله تعالى : ( وبلغت القلوب الحناجر ) [ الأحزاب : 10 ] أي كادت تبلغ ، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام : " من ترك صلاة متعمدا فقد كفر " وقوله عليه الصلاة والسلام : " من أتى امرأة حائضا أو في دبرها فقد كفر " وأما الأكثرون : فهم الذين حملوا هذا الوعيد على من ترك اعتقاد وجوب الحج ، قال الضحاك : لما نزلت آية الحج جمع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الأديان الستة المسلمين ، والنصارى واليهود والصابئين والمجوس والمشركين فخطبهم وقال : " إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا " فآمن به المسلمون وكفرت به الملل الخمس ، وقالوا : لا نؤمن به ، ولا نصلي إليه ، ولا نحجه ، فأنزل الله تعالى قوله : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) وهذا القول هو الأقوى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية