الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى بين حالهم عندما ذكروا هذا الجواب فقال : ( هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في التأويل وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم كانوا قبل هذه الواقعة يظهرون الإيمان من أنفسهم ، وما ظهرت منهم أمارة تدل على كفرهم ، فلما رجعوا عن عسكر المؤمنين تباعدوا بذلك عن أن يظن بهم كونهم مؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن رجوعهم عن معاونة المسلمين دل على أنهم ليسوا من المسلمين ، وأيضا قولهم : ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) يدل على أنهم ليسوا من المسلمين ، وذلك لأنا بينا أن هذا الكلام يدل إما على السخرية بالمسلمين ، وإما على عدم الوثوق بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل واحد منهما كفر .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني في التأويل : أن يكون المراد أنهم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانعزال يجر إلى تقوية المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال أكثر العلماء : أن هذا تنصيص من الله تعالى على أنهم كفار ، قال الحسن : إذا قال الله تعالى : ( أقرب ) فهو اليقين بأنهم مشركون ، وهو مثل قوله : ( مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] فهذه الزيادة لا شك فيها ، وأيضا المكلف لا يمكن أن ينفك عن الإيمان والكفر ، فلما دلت الآية على القرب لزم حصول الكفر . وقال الواحدي في البسيط : هذه الآية دليل على أن من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ولم يطلق القول بتكفيره ; لأنه تعالى لم يطلق القول بكفرهم مع أنهم كانوا كافرين ، لإظهارهم القول بلا إله إلا الله محمد رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ) والمراد أن لسانهم مخالف لقلبهم ، فهم وإن كانوا يظهرون الإيمان باللسان لكنهم يضمرون في قلوبهم الكفر .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( والله أعلم بما يكتمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 71 ] فإن قيل : إن المعلوم إذا علمه عالمان لا يكون أحدهما أعلم به من الآخر ، فما معنى قوله : ( والله أعلم بما يكتمون ) ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : المراد أن الله تعالى يعلم من تفاصيل تلك الأحوال ما لا يعلمه غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية