الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : التيمم في اللغة عبارة عن القصد ، يقال : أممته وتيممته وتأممته ، أي قصدته ، وأما على الصعيد فهو فعيل بمعنى الصاعد ، قال الزجاج : الصعيد وجه الأرض ، ترابا كان أو غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : لو فرضنا صخرا لا تراب عليه فضرب المتيمم يده عليه ومسح ، كان ذلك كافيا . وقال الشافعي - رضي الله عنه - : بل لا بد من تراب يلتصق بيده .

                                                                                                                                                                                                                                            احتج أبو حنيفة بظاهر هذه الآية فقال : التيمم هو القصد ، والصعيد هو ما تصاعد من الأرض ، فقوله : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) أي اقصدوا أرضا ، فوجب أن يكون هذا القدر كافيا .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الشافعي فإنه احتج بوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن هذه الآية ههنا مطلقة ، ولكنها في سورة المائدة مقيدة ، وهي قوله سبحانه : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) [ المائدة : 6 ] وكلمة " من " للتبعيض ، وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه . فإن قيل : إن كلمة " من " لابتداء الغاية ، قال صاحب " الكشاف " : لا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض ، ثم قال : والإذعان للحق أحق من المراء .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : ما ذكره الواحدي - رحمه الله - وهو أنه تعالى أوجب في هذه الآية كون الصعيد طيبا ، والأرض الطيبة هي التي تنبت بدليل قوله : ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ) [ الأعراف : 58 ] فوجب في التي لا تنبت أن لا تكون طيبة ، فكان قوله : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) أمرا بالتيمم بالتراب فقط ، وظاهر الأمر للوجوب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن قوله : ( صعيدا طيبا ) أمر بإيقاع التيمم بالصعيد الطيب ، والصعيد الطيب هو الأرض التي لا سبخة فيها ، ولا شك أن التيمم بهذا التراب جائز بالإجماع ، فوجب حمل الصعيد الطيب عليه رعاية لقاعدة الاحتياط ، لا سيما وقد خصص النبي - عليه الصلاة والسلام - التراب بهذه الصفة ، فقال : " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " وقال : " التراب طهور المسلم إذا لم يجد الماء " .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) محمول عند كثير من المفسرين على الوجه واليدين إلى الكوعين ، وعند أكثر الفقهاء يجب مسح اليدين إلى المرفقين ، وحجتهم أن اسم اليد يتناول جملة هذا العضو إلى الإبطين ، إلا أنا أخرجنا المرفقين منه بدلالة الإجماع ، فبقي اللفظ متناولا للباقي . ثم ختم تعالى الآية بقوله : ( إن الله كان عفوا غفورا ) وهو كناية عن الترخيص والتيسير ؛ لأن من كان من عادته أنه يعفو عن المذنبين ، فبأن يرخص للعاجزين كان أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية