الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : الله ، فاعلموا أيها الناس أني أقول طول حياتي : الله ، فإذا مت أقول : الله ، وإذا سئلت في القبر أقول : الله ، وإذا جئت يوم القيامة أقول : الله ، وإذا أخذت الكتاب أقول : الله ، وإذا وزنت أعمالي أقول : الله ، وإذا جزت الصراط أقول : الله ، وإذا دخلت الجنة أقول : الله ، وإذا رأيت الله قلت : الله .

                                                                                                                                                                                                                                            النكتة الثالثة عشرة : الحكمة في ذكر هذه الأسماء الثلاثة أن المخاطبين في القرآن ثلاثة أصناف كما قال تعالى : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) [ فاطر : 32 ] فقال : أنا الله [ ص: 143 ] للسابقين ، الرحمن للمقتصدين ، الرحيم للظالمين ، وأيضا الله هو معطي العطاء ، والرحمن هو المتجاوز عن زلات الأولياء ، والرحيم هو المتجاوز عن الجفاء ، ومن كمال رحمته كأنه تعالى يقول : أعلم منك ما لو علمه أبواك لفارقاك ، ولو علمته المرأة لجفتك ، ولو علمته الأمة لأقدمت على الفرار منك ، ولو علمه الجار لسعى في تخريب الدار ، وأنا أعلم كل ذمك وأستره بكرمي ؛ لتعلم أني إله كريم .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابعة عشرة : الله يوجب ولايته ؛ قال الله تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا ) [ البقرة : 257 ] والرحمن يوجب محبته ، قال الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) [ مريم : 96 ] والرحيم يوجب رحمته ( وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب : 43 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامسة عشرة : قال عليه الصلاة والسلام : " من رفع قرطاسا من الأرض فيه " بسم الله الرحمن الرحيم " إجلالا له تعالى ، كتب عند الله من الصديقين ، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين " . وقصة بشر الحافي في هذا الباب معروفة ، وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال : يا أبا هريرة ، إذا توضأت فقل : بسم الله ؛ فإن حفظتك لا تبرح أن تكتب لك الحسنات حتى تفرغ ، وإذا غشيت أهلك فقل : بسم الله ، فإن حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة ، فإن حصل من تلك الواقعة ولد ، كتب لك من الحسنات بعدد نفس ذلك الولد وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب ، حتى لا يبقى منهم أحد ، يا أبا هريرة إذا ركبت دابة فقل : بسم الله ، والحمد لله ؛ يكتب لك الحسنات بعدد كل خطوة ، وإذا ركبت السفينة فقل : بسم الله ، والحمد لله ؛ يكتب لك الحسنات حتى تخرج منها . وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا : بسم الله الرحمن الرحيم . والإشارة فيه أنه إذا صار هذا الاسم حجابا بينك وبين أعدائك من الجن في الدنيا ، أفلا يصير حجابا بينك وبين الزبانية في العقبى ؟

                                                                                                                                                                                                                                            السادسة عشرة : كتب قيصر إلى عمر رضي الله عنه أن بي صداعا لا يسكن ، فابعث لي دواء ، فبعث إليه عمر قلنسوة ، فكان إذا وضعها على رأسه يسكن صداعه ، وإذا رفعها عن رأسه عاوده الصداع ، فعجب منه ، ففتش القلنسوة ، فإذا فيها كاغد مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم .

                                                                                                                                                                                                                                            السابعة عشرة : قال صلى الله عليه وسلم : من توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لتلك الأعضاء ، ومن توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهورا لجميع بدنه . فإذا كان الذكر على الوضوء طهورا لكل البدن ، فذكره عن صميم القلب أولى أن يكون طهورا للقلب عن الكفر والبدعة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثامنة عشرة : طلب بعضهم آية من خالد بن الوليد فقال : إنك تدعي الإسلام ، فأرنا آية لنسلم ، فقال : ائتوني بالسم القاتل ، فأتي بطاس من السم ، فأخذها بيده وقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأكل الكل ، وقام سالما بإذن الله تعالى ، فقال المجوس : هذا دين حق .

                                                                                                                                                                                                                                            التاسعة عشرة : مر عيسى ابن مريم عليه السلام على قبر ، فرأى ملائكة العذاب يعذبون ميتا ، فلما انصرف من حاجته مر على القبر ، فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور ، فتعجب من ذلك ، فصلى ودعا الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إليه : يا عيسى ، كان هذا العبد عاصيا ، ومذ مات كان محبوسا في عذابي ، وكان قد ترك امرأة حبلى فولدت ولدا وربته حتى كبر ، فسلمته إلى الكتاب ، فلقنه المعلم بسم الله الرحمن الرحيم ، فاستحييت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض وولده يذكر اسمي على وجه الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 144 ] العشرون : سئلت عمرة الفرغانية - وكانت من كبار العارفات - : ما الحكمة في أن الجنب والحائض منهيان عن قراءة القرآن دون التسمية ؟ فقالت : لأن التسمية ذكر اسم الحبيب ، والحبيب لا يمنع من ذكر الحبيب .

                                                                                                                                                                                                                                            الحادية والعشرون : قيل في قوله : " الرحيم " هو تعالى رحيم بهم في ستة مواضع ، في القبر وحشراته ، والقيامة وظلماته ، والميزان ودرجاته ، وقراءة الكتاب وفزعاته ، والصراط ومخافاته ، والنار ودركاته .

                                                                                                                                                                                                                                            الثانية والعشرون : كتب عارف " بسم الله الرحمن الرحيم " وأوصى أن تجعل في كفنه ، فقيل له : أي فائدة لك فيه ، فقال : أقول يوم القيامة : إلهي بعثت كتابا وجعلت عنوانه : بسم الله الرحمن الرحيم ، فعاملني بعنوان كتابك .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالثة والعشرون : قيل : " بسم الله الرحمن الرحيم " تسعة عشر حرفا ، وفيه فائدتان : إحداهما : أن الزبانية تسعة عشر ، فالله تعالى يدفع بأسهم بهذه الحروف التسعة عشر ، الثانية : خلق الله تعالى الليل والنهار أربعة وعشرين ساعة ، ثم فرض خمس صلوات في خمس ساعات ، فهذه الحروف التسعة عشر تقع كفارات للذنوب التي تقع في تلك الساعات التسعة عشر .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابعة والعشرون : لما كانت سورة التوبة مشتملة على الأمر بالقتال ، لم يكتب في أولها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وأيضا السنة أن يقال عند الذبح : " باسم الله والله أكبر " ولا يقال : " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ لأن وقت القتال والقتل لا يليق به ذكر الرحمن الرحيم ، فلما وفقك لذكر هذه الكلمة في كل يوم سبع عشرة مرة في الصلوات المفروضة دل ذلك على أنه ما خلقك للقتل والعذاب ، وإنما خلقك للرحمة والفضل والإحسان ، والله تعالى الهادي إلى الصواب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية