الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 177 ] ( فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) ثم قال تعالى : ( فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) . والمعنى فإن أعرضوا عن الهجرة ولزموا مواضعهم خارجا عن المدينة فخذوهم إذا قدرتم عليهم ، واقتلوهم أينما وجدتموهم في الحل والحرم ، ولا تتخذوا منهم في هذه الحالة وليا يتولى شيئا من مهماتكم ولا نصيرا ينصركم على أعدائكم .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما أمر بقتل هؤلاء الكفار استثنى منه موضعين .

                                                                                                                                                                                                                                            ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في قوله : ( يصلون ) قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ينتهون إليهم ويتصلون بهم ، والمعنى أن كل من دخل في عهد من كان داخلا في عهدكم فهم أيضا داخلون في عهدكم . قال القفال رحمه الله : وقد يدخل في الآية أن يقصد قوم حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيتعذر عليهم ذلك المطلوب فيلجأوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد إلى أن يجدوا السبيل إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : أن قوله : ( يصلون ) معناه ينتسبون ، وهذا ضعيف لأن أهل مكة أكثرهم كانوا متصلين بالرسول من جهة النسب مع أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أباح دم الكفار منهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اختلفوا في أن القوم الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد من هم ؟ قال بعضهم هم الأسلميون فإنه كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فإنه عليه الصلاة والسلام وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعصيه ولا يعين عليه ، وعلى أن كل من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل ما لهلال . وقال ابن عباس : هم بنو بكر بن زيد مناة ، وقال مقاتل : هم خزاعة وخزيمة بن عبد مناة .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن ذلك يتضمن بشارة عظيمة لأهل الإيمان ، لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ إلى من التجأ إلى المسلمين ، فبأن يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ إلى محبة الله ومحبة رسوله كان أولى والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية