الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) الموضع الثاني في الاستثناء : قوله تعالى : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 178 ] المسألة الأولى : قوله تعالى : ( أو جاءوكم ) يحتمل أن يكون عطفا على صلة " الذين " والتقدير : إلا الذين يصلون بالمعاهدين أو الذين حصرت صدورهم فلا يقاتلونكم ، ويحتمل أن يكون عطفا على صفة " قوم " والتقدير : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم عهد ، أو يصلون إلى قوم حصرت صدورهم فلا يقاتلونكم ، والأول أولى لوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : قوله تعالى : ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) وإنما ذكر هذا بعد قوله ( فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ) وهذا يدل على أن السبب الموجب لترك التعرض لهم هو تركهم للقتال ، وهذا إنما يتمشى على الاحتمال الأول ، وأما على الاحتمال الثاني فالسبب الموجب لترك التعرض لهم هو الاتصال بمن ترك القتال .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن جعل ترك القتال موجبا لترك التعرض أولى من جعل الاتصال بمن ترك القتال سببا قريبا لترك التعرض ، لأن على التقدير الأول يكون ترك القتال سببا قريبا لترك التعرض ، وعلى السبب الثاني يصير سببا بعيدا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( حصرت صدورهم ) معناه ضاقت صدورهم عن المقاتلة فلا يريدون قتالكم لأنكم مسلمون ، ولا يريدون قتالهم لأنهم أقاربهم . واختلفوا في موضع قوله : ( حصرت صدورهم ) وذكروا وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه في موضع الحال بإضمار " قد " وذلك لأن " قد " تقرب الماضي من الحال ، ألا تراهم يقولون : قد قامت الصلاة ، ويقال أتاني فلان ذهب عقله ، أي أتاني فلان قد ذهب عقله : وتقدير الآية : أو جاءوكم حال ما حصرت صدورهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه خبر بعد خبر ، كأنه قال : أو جاءوكم ؛ ثم أخبر بعده فقال : ( حصرت صدورهم ) وعلى هذا التقدير يكون قوله : ( حصرت صدورهم ) بدلا من ( جاءوكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن يكون التقدير : جاءوكم قوما حصرت صدورهم أو جاءوكم رجالا حصرت صدورهم ، فعلى هذا التقدير قوله : ( حصرت صدورهم ) نصب لأنه صفة لموصوف منصوب على الحال ، إلا أنه حذف الموصوف المنتصب على الحال ، وأقيمت صفته مقامه ، وقوله : ( أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ) معناه ضاقت قلوبهم عن قتالكم وعن قتال قومهم فهم لا عليكم ولا لكم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية