الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : قال الشافعي - رحمه الله - : النية شرط لصحة الوضوء والغسل . وقال أبو حنيفة - رحمه [ ص: 121 ] الله : ليس كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن كل واحد منهما يستدل لذلك بظاهر هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            أما الشافعي - رحمه الله - فإنه قال : الوضوء مأمور به ، وكل مأمور به فإنه يجب أن يكون منويا فالوضوء يجب أن يكون منويا ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون شرطا لأنه لا قائل بالفرق ، وإنما قلنا : إن الوضوء مأمور به لقوله : ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) ولا شك أن قوله : " فاغسلوا وامسحوا " أمر ، وإنما قلنا : إن كل مأمور به يجب أن يكون منويا لقوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [البينة : 5] واللام في قوله : ( ليعبدوا ) ظاهر للتعليل ، لكن تعليل أحكام الله تعالى محال ، فوجب حمله على الباء لما عرف من جواز إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض ، فيصير التقدير : وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين ، والإخلاص عبارة عن النية الخالصة ، ومتى كانت النية الخالصة معتبرة كان أصل النية معتبرا . وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [ البينة : 5 ] فليرجع إليه في طلب زيادة الإتقان ، فثبت بما ذكرنا أن كل وضوء مأمور به ، وثبت أن كل مأمور به يجب أن يكون منويا ، فلزم القطع بأن كل وضوء يجب أن يكون منويا أقصى ما في الباب أن قولنا : كل مأمور به يجب أن يكون منويا مخصوص في بعض الصور ، لكنا إنما أثبتنا هذه المقدمة بعموم النص ، والعام حجة في غير محل التخصيص .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما أبو حنيفة - رحمه الله - فإنه احتج بهذه الآية على أن النية ليست شرطا لصحة الوضوء ، فقال : إنه تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية ولم يوجب النية فيها ، فإيجاب النية زيادة على النص ، والزيادة على النص نسخ ، ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                                                            وجوابنا : أنا بينا أنه إنما أوجبنا النية في الوضوء بدلالة القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية