الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال كثير من المفسرين الأصوليين : هذه الآية مجملة من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الحكم [ ص: 177 ] معلق على السرقة ، ومطلق السرقة غير موجب للقطع ، بل لا بد وأن تكون هذه السرقة سرقة لمقدار مخصوص من المال ، وذلك القدر غير مذكور في الآية فكانت مجملة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه تعالى أوجب قطع الأيدي ، وليس فيه بيان أن الواجب قطع الأيدي الأيمان والشمائل ، وبالإجماع لا يجب قطعهما معا فكانت الآية مجملة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن اليد اسم يتناول الأصابع فقط ، ألا ترى أنه لو حلف لا يمس فلانا بيده فمسه بأصابعه فإنه يحنث في يمينه ، فاليد اسم يقع على الأصابع وحدها ، ويقع على الأصابع مع الكف ، ويقع على الأصابع والكف والساعدين إلى المرفقين ، ويقع على كل ذلك إلى المنكبين ، وإذا كان لفظ اليد محتملا لكل هذه الأقسام ، والتعيين غير مذكور في هذه الآية فكانت مجملة .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أن قوله : ( فاقطعوا ) خطاب مع قوم ، فيحتمل أن يكون هذا التكليف واقعا على مجموع الأمة ، وأن يكون واقعا على طائفة مخصوصة منهم ، وأن يكون واقعا على شخص معين منهم ، وهو إمام الزمان كما يذهب إليه الأكثرون ، ولما لم يكن التعيين مذكورا في الآية كانت الآية مجملة ، فثبت بهذه الوجوه أن هذه الآية مجملة على الإطلاق ، هذا تقرير هذا المذهب .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال قوم من المحققين : الآية ليست مجملة البتة ، وذلك لأنا بينا أن الألف واللام في قوله ( والسارق والسارقة ) قائمان مقام "الذي" والفاء في قوله : ( فاقطعوا ) للجزاء ، فكان التقدير : الذي سرق فاقطعوا يده ، ثم تأكد هذا بقوله تعالى : ( جزاء بما كسبا ) وذلك الكسب لا بد وأن يكون المراد به ما تقدم ذكره وهو السرقة ، فصار هذا دليلا على أن مناط الحكم ومتعلقه هو ماهية السرقة ومقتضاه أن يعم الجزاء فيما حصل هذا الشرط ، اللهم إلا إذا قام دليل منفصل يقتضي تخصيص هذا العام ، وأما قوله "الأيدي" عامة فنقول : مقتضاه قطع الأيدي لكنه لما انعقد الإجماع على أنه لا يجب قطعهما معا ، ولا الابتداء باليد اليسرى أخرجناه عن العموم .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : لفظ اليد دائر بين أشياء فنقول : لا نسلم ، بل اليد اسم لهذا العضو إلى المنكب ، ولهذا السبب قال تعالى : ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) فلولا دخول العضدين في هذا الاسم وإلا لما احتيج إلى التقييد بقوله ( إلى المرافق ) فظاهر الآية يوجب قطع اليدين من المنكبين كما هو قول الخوارج ، إلا أنا تركنا ذلك لدليل منفصل .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله رابعا ، يحتمل أن يكون الخطاب مع كل واحد ، وأن يكون مع واحد معين .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : ظاهره أنه خطاب مع كل أحد ، ترك العمل به فيما صار مخصوصا بدليل منفصل فيبقى معمولا به في الباقي .

                                                                                                                                                                                                                                            والحاصل أنا نقول : الآية عامة ، فصارت مخصوصة بدلائل منفصلة في بعض الصور فتبقى حجة فيما عداها ، ومعلوم أن هذا القول أولى من قول من قال : إنها مجملة فلا تفيد فائدة أصلا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية