الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( هديا بالغ الكعبة ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في الآية وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المعنى يحكمان به هديا يساق إلى الكعبة فينحر هناك ، وهذا يؤكد قول من أوجب المثل من طريق الخلقة لأنه تعالى لم يقل : يحكمان به شيئا يشترى به هدي ، وإنما قال يحكمان به هديا ، وهذا صريح في أنهما يحكمان بالهدي لا غير .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون المعنى يحكمان به شيئا يشترى به ما يكون هديا ، وهذا بعيد عن ظاهر اللفظ ، والحق هو الأول . وقوله : ( هديا ) نصب على الحال من الكناية في قوله : ( به ) والتقدير يحكم بذلك المثل شاة أو بقرة أو بدنة ، فالضمير في قوله : ( به ) عائد إلى المثل والهدي حال منه ، وعند التفطن لهذين الاعتبارين فمن الذي يرتاب في أن الواجب هو المثل من طريق الخلقة ؟ والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( بالغ الكعبة ) صفة لقوله : ( هديا ) لأن إضافته غير حقيقية ، تقديره بالغا الكعبة ، لكن التنوين قد حذف استخفافا ، ومثله ( عارض ممطرنا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : سميت الكعبة كعبة لارتفاعها وتربعها ، والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة ، والكعبة إنما أريد بها كل الحرم ، لأن الذبح والنحر لا يقعان في الكعبة ولا عندها ملازقا لها ، ونظير هذه الآية قوله : ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) [الحج : 33] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : معنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم ، فإن دفع مثل الصيد المقتول إلى الفقراء حيا لم يجز ، بل يجب عليه ذبحه في الحرم ، وإذا ذبحه في الحرم ، قال الشافعي رحمه الله : يجب عليه أن يتصدق به في الحرم أيضا . وقال أبو حنيفة رحمه الله : له أن يتصدق به حيث شاء ، وسلم الشافعي أن له أن يصوم حيث شاء ، لأنه لا منفعة فيه لمساكين الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 79 ] حجة الشافعي : أن نفس الذبح إيلام ، فلا يجوز أن يكون قربة ، بل القربة هي إيصال اللحم إلى الفقراء ، فقوله : ( هديا بالغ الكعبة ) يوجب إيصال تلك الهدية إلى أهل الحرم والكعبة .

                                                                                                                                                                                                                                            وحجة أبي حنيفة رحمه الله أنها لما وصلت إلى الكعبة فقد صارت هديا بالغ الكعبة ، فوجب أن يخرج عن العهدة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية