الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله سبحانه وتعالى : ( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            في الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود . فإن ذلك الأمر قد تناول إبليس ، وظاهر هذا يدل على أن إبليس كان من الملائكة ، إلا أن الدلائل التي ذكرناها تدل على أن الأمر ليس كذلك . وأما الاستثناء فقد أجبنا عنه في سورة البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى طلب من إبليس ما منعه من ترك السجود ، وليس الأمر كذلك . فإن المقصود طلب ما منعه من السجود ، ولهذا الإشكال حصل في الآية قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : وهو المشهور أن كلمة ( لا ) صلة زائدة ، والتقدير : ما منعك أن تسجد ؟ ! وله نظائر في القرآن كقوله : ( لا أقسم بيوم القيامة ) ( القيامة : 1 ) معناه : أقسم . وقوله : ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) ( الأنبياء : 95 ) أي يرجعون . وقوله : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) أي : ليعلم أهل الكتاب . وهذا قول الكسائي ، والفراء ، والزجاج ، والأكثرين .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : إن كلمة ( لا ) ههنا مفيدة وليست لغوا ، وهذا هو الصحيح : لأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب ، وعلى هذا القول ففي تأويل الآية وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون التقدير : أي شيء منعك عن ترك السجود ؟ ! ويكون هذا الاستفهام على سبيل الإنكار ، ومعناه : أنه ما منعك عن ترك السجود ؟ ! كقول القائل لمن ضربه ظلما : ما الذي منعك من ضربي ، أدينك ، أم عقلك ، أم حياؤك ؟ ! والمعنى : أنه لم يوجد أحد هذه الأمور ، وما امتنعت من ضربي .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال القاضي : ذكر الله المنع وأراد الداعي فكأنه قال : ما دعاك إلى أن لا تسجد ؟ ! لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل عن الداعي إليها .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية