الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 30 ] المسألة السابعة : قوله تعالى : ( ما منعك ألا تسجد ) لا شك أن قائل هذا القول هو الله ؛ لأن قوله : ( إذ أمرتك ) لا يليق إلا بالله سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( خلقتني من نار ) فلا شك أن قائل هذا القول هو إبليس .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( قال فاهبط منها ) فلا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى ، ومثل هذه المناظرة بين الله سبحانه وبين إبليس مذكور في سورة ( ص ) على سبيل الاستقصاء .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا ثبت هذا فنقول : إنه لم يتفق لأحد من أكابر الأنبياء -عليهم السلام- مكالمة مع الله مثل ما اتفق لإبليس ، وقد عظم الله تشريف موسى بأن كلمه حيث قال : ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) ( الأعراف : 143 ) وقال : ( وكلم الله موسى تكليما ) ( النساء : 164 ) فإن كانت هذه المكالمة تفيد الشرف العظيم ، فكيف حصلت على أعظم الوجوه لإبليس ؟ وإن لم توجب الشرف العظيم ، فكيف ذكره الله تعالى في معرض التشريف الكامل لموسى عليه السلام ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن بعض العلماء قال : إنه تعالى قال لإبليس على لسان من يؤدي إليه من الملائكة : ما منعك من السجود ؟ ولم يسلم أنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة . قالوا : لأنه ثبت أن غير الأنبياء لا يخاطبهم الله تعالى إلا بواسطة ، ومنهم من قال : إنه تعالى تكلم مع إبليس بلا واسطة ، ولكن على وجه الإهانة بدليل أنه تعالى قال له : ( فاخرج إنك من الصاغرين ) وتكلم مع موسى ومع سائر الأنبياء -عليهم السلام- على سبيل الإكرام . ألا ترى أنه تعالى قال لموسى : ( وأنا اخترتك ) ( طه : 13 ) وقال له ( واصطنعتك لنفسي ) ( طه : 41 ) وهذا نهاية الإكرام .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثامنة : قوله تعالى : ( فاهبط منها ) قال ابن عباس : يريد من الجنة ، وكانوا في جنة عدن وفيها خلق آدم . وقال بعض المعتزلة : إنه إنما أمر بالهبوط من السماء ، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في سورة البقرة : ( فما يكون لك أن تتكبر فيها ) أي في السماء . قال ابن عباس : يريد أن أهل السماوات ملائكة متواضعون خاشعون فاخرج إنك من الصاغرين ، والصغار : الذلة . قال الزجاج : إن إبليس طلب التكبر فابتلاه الله تعالى بالذلة والصغار تنبيها على صحة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله وقال بعضهم : لما أظهر الاستكبار ألبس الصغار . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية