الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى :( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : نقل الواحدي عن أهل اللغة في لفظ الاعتذار قولين :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : أنه عبارة عن محو الذنب ، من قولهم : اعتذرت المنازل إذا درست . يقال : مررت بمنزل [ ص: 99 ] معتذر ، والاعتذار هو الدرس وأخذ الاعتذار منه ؛ لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : حكى ابن الأعرابي أن الاعتذار هو القطع ، ومنه يقال للقلفة : عذرة ؛ لأنها تقطع ، وعذرة الجارية سميت عذرة ؛ لأنها تعذر أي : تقطع ، ويقال : اعتذرت المياه إذا انقطعت ، فالعذر لما كان سببا لقطع اللوم سمي عذرا ، قال الواحدي : والقولان متقاربان ؛ لأن محو أثر الذنب وقطع اللوم يتقاربان .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أنه تعالى بين أن ذلك الاستهزاء كان كفرا ، والعقل يقتضي أن الإقدام على الكفر لأجل اللعب غير جائز ، فثبت أن قولهم : إنما كنا نخوض ونلعب ، ما كان عذرا حقيقيا في الإقدام على ذلك الاستهزاء ، فلما لم يكن ذلك عذرا في نفسه نهاهم الله عن أن يعتذروا به ؛ لأن المنع عن الكلام الباطل واجب ، فقال :( لا تعتذروا ) أي : لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله :( قد كفرتم بعد إيمانكم ) يدل على أحكام :

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الأول :

                                                                                                                                                                                                                                            أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفرا بالله ؛ وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف ، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان ، والجمع بينهما محال .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الثاني :

                                                                                                                                                                                                                                            أنه يدل على بطلان قول من يقول : الكفر لا يدخل إلا في أفعال القلوب .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الثالث :

                                                                                                                                                                                                                                            يدل على أن قولهم الذي صدر منهم كفر في الحقيقة ، وإن كانوا منافقين من قبل ، وأن الكفر يمكن أن يتجدد من الكافر حالا فحالا .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الرابع :

                                                                                                                                                                                                                                            يدل على أن الكفر إنما حدث بعد أن كانوا مؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                                            ولقائل أن يقول : القوم لما كانوا منافقين فكيف يصح وصفهم بذلك ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : قال الحسن : المراد كفرتم بعد إيمانكم الذي أظهرتموه ، وقال آخرون : ظهر كفركم للمؤمنين بعد أن كنتم عندهم مسلمين ، والقولان متقاربان .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية