الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أما قوله : ( ثم استوى على العرش ) ففيه مباحث :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن هذا يوهم كونه تعالى مستقرا على العرش ، والكلام المستقصى فيه مذكور في أول سورة طه ، ولكنا نكتفي ههنا بعبارة وجيزة ، فنقول : هذه الآية لا يمكن حملها على ظاهرها ، ويدل عليه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الاستواء على العرش معناه : كونه معتمدا عليه مستقرا عليه ، بحيث لولا العرش لسقط ونزل ، كما أنا إذا قلنا : إن فلانا مستو على سريره ، فإنه يفهم منه هذا المعنى . إلا أن إثبات هذا المعنى يقتضي كونه محتاجا إلى العرش ، وأنه لولا العرش لسقط ونزل ، وذلك محال ؛ لأن المسلمين أطبقوا على أن الله تعالى هو الممسك للعرش والحافظ له ، ولا يقول أحد أن العرش هو الممسك لله تعالى والحافظ له .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن قوله : ( ثم استوى على العرش ) يدل على أنه قبل ذلك ما كان مستويا عليه ، وذلك يدل على أنه تعالى يتغير من حال إلى حال ، وكل من كان متغيرا كان محدثا ، وذلك بالاتفاق باطل .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنه لما حدث الاستواء في هذا الوقت ، فهذا يقتضي أنه تعالى كان قبل هذا الوقت مضطربا متحركا ، وكل ذلك من صفات المحدثات .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى إنما استوى على العرش بعد أن خلق السماوات والأرض لأن كلمة ( ثم ) تقتضي التراخي ، وذلك يدل على أنه تعالى كان قبل خلق العرش غنيا عن العرش ، فإذا خلق العرش امتنع أن تنقلب حقيقته وذاته من [ ص: 12 ] الاستغناء إلى الحاجة . فوجب أن يبقى بعد خلق العرش غنيا عن العرش ، ومن كان كذلك امتنع أن يكون مستقرا على العرش . فثبت بهذه الوجوه أن هذه الآية لا يمكن حملها على ظاهرها بالاتفاق ، وإذا كان كذلك امتنع الاستدلال بها في إثبات المكان والجهة لله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية