الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اختلفوا في أن الملائكة هل هم قادرون على المعاصي والشرور أم لا ؟ فقال جمهور الفلاسفة وكثير من أهل الجبر : إنهم خيرات محض ولا قدرة لهم البتة على الشرور والفساد . وقال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء : إنهم قادرون على الأمرين واحتجوا على ذلك بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن قولهم : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) إما أن يكون معصية أو ترك الأولى وعلى التقديرين فالمقصود حاصل .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قوله تعالى : ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ) [الأنبياء : 29] ، وذلك يقتضي كونهم مزجورين ممنوعين وقال أيضا : ( لا يستكبرون عن عبادته ) [الأعراف : 206] ، والمدح بترك الاستكبار إنما يجوز لو كان قادرا على فعل الاستكبار .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنهم لو لم يكونوا قادرين على ترك الخيرات لما كانوا ممدوحين بفعلها ، لأن الملجأ إلى الشيء ، ومن لا يقدر على ترك الشيء لا يكون ممدوحا بفعل ذلك الشيء ، ولقد استدل بهذا بعض المعتزلة فقلت له : أليس أن الثواب والعوض واجبان على الله تعالى ؟ ومعنى كونه واجبا عليه أنه لو تركه للزم من تركه إما الجهل وإما الحاجة ، وهما محالان ، والمفضي إلى المحال محال ، فيكون ذلك الترك محالا من الله تعالى ، وإذا كان الترك محالا كان الفعل واجبا ، فيكون الله تعالى فاعلا للثواب ، والعوض واجب وتركه محال مع أنه تعالى ممدوح على فعل ذلك ، فثبت أن امتناع الترك لا يقدح في [ ص: 158 ] حصول المدح فانقطع ، وما قدر على الجواب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية