الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : إذا مات في الحد يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، فهذا ما أردنا ذكره من بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            أما المباحث العقلية : فاعلم أن من الناس من قال : لا شك أن البدن مركب من أجزاء كثيرة ، فإما أن يقوم بكل جزء حياة وعلم وقدرة على حدة . أو يقوم بكل الأجزاء حياة واحدة وعلم واحد وقدرة واحدة ، والثاني محال لاستحالة قيام العرض الواحد بالمحال الكثيرة فتعين الأول ، وإذا كان كذلك كان كل جزء من أجزاء البدن حيا على حدة وعالما على حدة وقادرا على حدة ، وإذا ثبت هذا فنقول : الزاني هو الفرج لا الظهر ، فكيف يحسن من الحكيم أن يأمر بجلد الظهر ، ولأنه ربما كان الإنسان حال إقدامه على الزنا عجيفا نحيفا ثم يسمن بعد ذلك فكيف يجوز إيلام تلك الأجزاء الزائدة مع أنها كانت بريئة عن فعل الزنا ، فإن قال قائل هذا مدفوع من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : وهو أنه ليس كل واحد من أجزاء البدن فاعلا على حدة وحيا على حدة وذلك محال ، بل الحياة والعلم والقدرة تقوم بالجزء الواحد ثم توجب حكم الحيية والعالمية والقادرية لمجموع الأجزاء ، فيكون المجموع حيا واحدا عالما واحدا قادرا واحدا ، وعلى هذا التقدير يزول السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يقال الذي هو الفاعل والمحرك والمدرك شيء ليس بجسم ولا جسماني . وإنما هو مدبر لهذا البدن ، وعلى هذا التقدير أيضا يزول السؤال ، والجواب : أما الأول فضعيف ، وذلك لأن العلم إذا قام بجزء واحد ، فإما أن يحصل بمجموع الأجزاء عالمية واحدة فيلزم قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة وهو محال ، أو يقوم بكل جزء عالمية على حدة فيعود المحذور المذكور ، وأما الثاني ففي نهاية البعد لأنه إذا كان الفاعل للقبيح هو ذلك المباين فلم يضرب هذا الجسد ؟ واعلم أن المقصود من أحكام الشرع رعاية المصالح ، ونحن نعلم أن [ ص: 130 ] شرع الحد يفيد الزجر ، فكان المقصود حاصلا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية