الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) فهذا جواب ثالث عن تلك الشبهة ، كأنه سبحانه قال : ليس ما تعلقوا به شبهة عليك في نفس المسألة ، بل الذي حملهم على تكذيبك تكذيبهم بالساعة استثقالا للاستعداد لها ، ويحتمل أن يكون المعنى أنهم يكذبون بالساعة فلا يرجون ثوابا ولا عقابا ولا يتحملون كلفة النظر والفكر ، فلهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل . ثم قال : ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال أبو مسلم : " وأعتدنا " أي : جعلناها عتيدا ومعدة لهم ، والسعير : النار الشديدة الاستعار ، وعن الحسن أنه اسم من أسماء جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج أصحابنا على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى : ( أعدت للمتقين ) [آل عمران : 133] وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية ، وهي قوله : ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) ، وقوله : ( وأعتدنا ) إخبار عن فعل وقع في الماضي ، فدلت الآية على أن دار العقاب مخلوقة ، قال الجبائي : يحتمل وأعتدنا النار في الدنيا وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ، ويحتمل نار الآخرة ويكون معنى ( وأعتدنا ) أي : سنعدها لهم ؛ كقوله : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) [ الأعراف : 44] ، واعلم أن هذا السؤال في نهاية السقوط ؛ لأن المراد من السعير إما نار الدنيا وإما نار الآخرة ، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا ، أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا ، والأول باطل ؛ لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا ، والتالي أيضا باطل لأنه لم يقل أحد من الأمة : إنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا ، فثبت أن المراد نار الآخرة ، وثبت أنها معدة ، وحمل الآية على أن الله سيجعلها معدة ترك للظاهر من غير دليل ، وعلى أن الحسن قال : السعير اسم من أسماء جهنم فقوله : ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) صريح في أنه تعالى أعد جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن السعيد من سعد في بطن أمه ، فقالوا : إن الذين أعد الله تعالى لهم السعير وأخبر عن ذلك وحكم به أن صاروا مؤمنين من أهل الثواب ، انقلب حكم الله بكونهم من أهل السعير كذبا ، وانقلب بذلك علمه جهلا ، وهذا الانقلاب محال ، والمؤدي إلى المحال محال ، فصيرورة أولئك مؤمنين من أهل الثواب محال ، فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا ، والشقي لا ينقلب سعيدا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية