الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما عمومات الأخبار فكثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                            فالنوع الأول : المذكور بصيغة " من " :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : ما روى وقاص بن ربيعة عن المسور بن شداد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله من نار جهنم ، ومن أخذ بأخيه كسوة كساه الله من نار جهنم ومن قام مقام رياء وسمعة أقامه الله يوم القيامة مقام رياء وسمعة " وهذا نص في وعيد الفاسق ، ومعنى أقامه : أي جازاه على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال عليه السلام : " من كان ذا لسانين وذا وجهين كان في النار ذا لسانين وذا وجهين " ولم يفصل بين المنافق وبين غيره في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : عن سعيد بن زيد قال قال عليه السلام : " من ظلم قيد شبر من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هاجر السوء ، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه " . وهذا الخبر يدل على وعيد الفاسق الظالم ويدل على أنه غير مؤمن ولا مسلم على ما يقوله المعتزلة من المنزلة بين المنزلتين .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء يوم القيامة بريئا من ثلاثة ، دخل الجنة : الكبر والغلول والدين " ، وهذا يدل على أن صاحب هذه الثلاثة لا يدخل الجنة وإلا لم يكن لهذا الكلام معنى ، والمراد من الدين من مات عاصيا مانعا ولم يرد التوبة ولم يتب عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا من طرق الجنة ، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " . وهذا نص في أن الثواب لا يكون إلا بالطاعة والخلاص من النار لا يكون إلا بالعمل الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                            وسابعها : عن ابن عمر رضي الله عنه ما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر [ ص: 138 ] وكل خمر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة " ، وهو صريح في وعيد الفاسق وأنه من أهل الخلود ، لأنه إذا لم يشربها لم يدخل الجنة لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .

                                                                                                                                                                                                                                            وثامنها : عن أم سلمة قالت : قال عليه السلام : " إنما أنا بشر مثلكم ولعلكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه فإنما قطعت له قطعة من النار " .

                                                                                                                                                                                                                                            وتاسعها : عن ثابت بن الضحاك قال : قال عليه السلام : " من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء يعذب به في نار جهنم " .

                                                                                                                                                                                                                                            وعاشرها : عن عبد الله بن عمر قال : قال عليه الصلاة والسلام في الصلاة : " من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة ولا ثوابا وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف " . وهذا نص في أن ترك الصلاة يحبط العمل ويوجب وعيد الأبد .

                                                                                                                                                                                                                                            الحادي عشر : عن ابن عباس رضي الله عنه ما قال : قال عليه السلام : " من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن " ، ولما ثبت أنه لا يكفر علمنا أن المراد منه إحباط العمل .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني عشر : عن أبي هريرة قال : قال عليه السلام : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يهوي في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل متعمدا فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث عشر : عن أبي ذر قال : قال عليه السلام : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قلت : يا رسول الله من هم خابوا وخسروا ؟ قال : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف كاذبا " ، يعني بالمسبل المتكبر الذي يسبل إزاره ، ومعلوم أن من لم يكلمه الله ولم يرحمه وله عذاب أليم فهو من أهل النار ، ووروده في الفاسق نص في الباب .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع عشر : عن أبي هريرة قال : قال عليه الصلاة والسلام : " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ، ومن لم يجد عرف الجنة فلا شك أنه في النار لأن المكلف لا بد وأن يكون في الجنة أو في النار .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس عشر : عن أبي هريرة قال : قال عليه السلام : " من كتم علما ألجم بلجام من نار يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                            السادس عشر : عن ابن مسعود قال : قال عليه السلام : " من حلف على يمين كاذبا ليقطع بها مال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان " ، وذلك لأن الله تعالى يقول : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ آل عمران : 77 ] إلى آخر الآية ، وهذا نص في الوعيد ونص في أن الآية واردة في الفساق كورودها في الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                            السابع عشر : عن أبي أمامة قال : قال عليه السلام : " من حلف على يمين فاجرة ليقطع بها مال امرئ مسلم بغير حقه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ، قيل : يا رسول الله : وإن كان شيئا يسيرا ، قال : وإن كان قضيبا من أراك " .

                                                                                                                                                                                                                                            الثامن عشر : عن سعيد بن جبير قال : كنت عند ابن عباس فأتاه رجل وقال : إني رجل معيشتي من هذه التصاوير ، فقال ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صور فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيه الروح وليس بنافخ ، ومن استمع إلى حديث قوم يفرون منه صب في أذنيه الآنك ومن يري عينيه في المنام ما لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين " .

                                                                                                                                                                                                                                            التاسع عشر : عن معقل بن يسار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " .

                                                                                                                                                                                                                                            العشرون : عن ابن عمر في مناظرته مع عثمان حين أراد أن يوليه القضاء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان قاضيا يقضي بالجهل كان من أهل النار ، ومن كان قاضيا يقضي بالجور كان من أهل النار " .

                                                                                                                                                                                                                                            الحادي والعشرون : قال عليه السلام : " من ادعى أبا في الإسلام وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني والعشرون : عن الحسن عن أبي بكرة قال : قال عليه السلام : " من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة " ، وإذا [ ص: 139 ] كان في قتل الكفار هكذا فما ظنك بقتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث والعشرون : عن أبي سعيد الخدري قال : قال عليه السلام : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " وإذا لم يلبسه في الآخرة وجب أن لا يكون من أهل الجنة لقوله تعالى : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس ) [ الزخرف : 71 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية