الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى بعد تعديد هذه الصفات قال : ( أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن قوله : ( أن كان ) يجوز أن يكون متعلقا بما قبله ، وأن يكون متعلقا بما بعده .

                                                                                                                                                                                                                                            أما الأول : فتقديره : ولا تطع كل حلاف مهين أن كان ذا مال وبنين ، أي لا تطعه مع هذه المثالب ليساره وأولاده وكثرته .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الثاني : فتقديره لأجل أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ، والمعنى لأجل أن كان ذا مال وبنين جعل مجازاة هذه النعم التي خولها الله له الكفر بآياته .

                                                                                                                                                                                                                                            قال أبو علي الفارسي : العامل في قوله : ( أن كان ) إما أن يكون هو قوله : ( تتلى ) أو قوله ( قال ) أو شيئا ثالثا ، والأول باطل لأن ( تتلى ) قد أضيفت ( إذا ) إليه ، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله ، ألا ترى أنك لا تقول : القتال زيدا حين يأتي ، تريد حين يأتي زيدا ، ولا يجوز أن يعمل فيه أيضا ، قال لأن ( قال ) جواب ( إذا ) ، وحكم الجواب أن يكون بعد ما هو جواب له ، ولا يتقدم عليه ، ولما بطل هذان القسمان علمنا أن العامل فيه شيء ثالث دل ما في الكلام عليه ، وذلك هو يجحد أو يكفر ، أو يمسك عن قبول الحق أو نحو ذلك ، وإنما جاز أن يعمل المعنى فيه ، وإن كان متقدما عليه لشبهه بالظرف ، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها ، ويدلك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه ، فإن [ ص: 76 ] تقدير الآية : لأن كان ذا مال وإذا صار كالظرف لم يمتنع المعنى من أن يعمل فيه ، كما لم يمتنع من أن يعمل في نحو قوله : ( ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ) ( سبأ : 7 ) لما كان ظرفا ، والعامل فيه القسم الدال عليه قوله : ( إنكم لفي خلق جديد ) فكذلك قوله : ( أن كان ذا مال وبنين ) تقديره : أنه جحد آياتنا ؛ لأن كان ذا مال وبنين أو كفر بآياتنا ؛ لأن كان ذا مال وبنين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرئ : ( أأن كان ) على الاستفهام ، والتقدير : ألأن كان ذا مال كذب ، أو التقدير : أتطيعه لأن كان ذا مال . وروى الزهري عن نافع : إن كان بالكسر ، والشرط للمخاطب ، أي لا تطع كل حلاف شارطا يساره ، لأنه إذا أطاع الكافر لغناه فكأنه اشترط في الطاعة الغنى ، ونظير صرف الشرط إلى المخاطب صرف الترجي إليه في قوله : ( لعله يتذكر ) ( طه : 44 ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما حكى عنه قبائح أفعاله وأقواله قال متوعدا له :

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية