الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة : هذه الليلة هل هي باقية ؟ قال الخليل : من قال إن فضلها لنزول القرآن فيها يقول انقطعت وكانت مرة ، والجمهور على أنها باقية ، وعلى هذا هل هي مختصة برمضان أم لا ؟ روي عن ابن مسعود أنه قال : من يقم الحول يصبها ، وفسرها عكرمة بليلة البراءة في قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [الدخان : 3] والجمهور على أنها مختصة برمضان واحتجوا عليه بقوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) وقال : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) فوجب أن تكون ليلة القدر في رمضان لئلا يلزم التناقض ، وعلى هذا القول اختلفوا في تعيينها على ثمانية أقوال ، فقال ابن رزين : ليلة القدر هي الليلة الأولى من رمضان ، وقال الحسن البصري : السابعة عشرة ، وعن أنس مرفوعا : التاسعة عشرة ، وقال محمد بن إسحاق : الحادية والعشرون . وعن ابن عباس الثالثة والعشرون ، وقال ابن مسعود : الرابعة والعشرون ، وقال أبو ذر الغفاري : الخامسة والعشرون ، وقال أبي بن كعب وجماعة من الصحابة : السابعة والعشرون ، وقال بعضهم : التاسعة والعشرون . أما الذين قالوا : إنها الليلة الأولى [فقد] قالوا : روى وهب أن صحف إبراهيم أنزلت في الليلة الأولى من رمضان والتوراة لست ليال مضين من رمضان بعد صحف إبراهيم بسبعمائة سنة ، وأنزل الزبور على داود لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام وأنزل الإنجيل على عيسى لثمان عشرة خلت من رمضان بعد الزبور بستمائة عام وعشرين عاما ، وكان القرآن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة قدر من السنة إلى السنة كان جبريل عليه السلام ينزل به من بيت العزة من السماء السابعة إلى سماء الدنيا ، فأنزل الله تعالى القرآن في عشرين شهرا في عشرين سنة ، فلما كان هذا الشهر هو الشهر الذي حصلت فيه هذه الخيرات العظيمة ، لا جرم كان في غاية الشرف والقدر والرتبة فكانت الليلة الأولى منه ليلة القدر ، وأما الحسن البصري فإنه قال : هي ليلة سبعة عشر ، لأنها ليلة كانت صبيحتها وقعة بدر ، وأما التاسعة [ ص: 30 ] عشرة فقد روى أنس فيها خبرا ، وأما ليلة السابع والعشرين فقد مال الشافعي إليه لحديث الماء والطين ، والذي عليه المعظم أنها ليلة السابع والعشرين ، وذكروا فيه أمارات ضعيفة :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : حديث ابن عباس أن السورة ثلاثون كلمة ، وقوله : " هي " هي السابعة والعشرون منها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : روي أن عمر سأل الصحابة ثم قال لابن عباس : غص يا غواص فقال زيد بن ثابت : أحضرت أولاد المهاجرين وما أحضرت أولادنا . فقال عمر : لعلك تقول : إن هذا غلام ، ولكن عنده ما ليس عندكم . فقال ابن عباس : أحب الأعداد إلى الله تعالى الوتر وأحب الوتر إليه السبعة ، فذكر السماوات السبع والأرضين السبع والأسبوع ودركات النار وعدد الطواف والأعضاء السبعة ، فدل على أنها السابعة والعشرون .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : نقل أيضا عن ابن عباس ، أنه قال : ( ليلة القدر ) تسعة أحرف ، وهو مذكور ثلاث مرات فتكون السابعة والعشرين .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أنه كان لعثمان بن أبي العاص غلام ، فقال : يا مولاي إن البحر يعذب ماؤه ليلة من الشهر ، قال : إذا كانت تلك الليلة فأعلمني فإذا هي السابعة والعشرون من رمضان . وأما من قال : إنها الليلة الأخيرة قال : لأنها هي الليلة التي تتم فيها طاعات هذا الشهر ، بل أول رمضان كآدم وآخره كمحمد ، ولذلك روي في الحديث ، يعتق في آخر رمضان بعدد ما أعتق من أول الشهر ، بل الليلة الأولى كمن ولد له ذكر ، فهي ليلة شكر ، والأخيرة ليلة الفراق ، كمن مات له ولد ، فهي ليلة صبر ، وقد علمت فرق ما بين الصبر والشكر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية