الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إن شانئك هو الأبتر ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ذكروا في سبب النزول وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه عليه السلام كان يخرج من المسجد ، والعاص بن وائل السهمي يدخل فالتقيا فتحدثا ، وصناديد قريش في المسجد ، فلما دخل قالوا من الذي كنت [ ص: 124 ] تتحدث معه ؟ فقال : ذلك الأبتر ، وأقول : إن ذلك من إسرار بعضهم مع بعض ، مع أن الله تعالى أظهره ، فحينئذ يكون ذلك معجزا ، وروي أيضا أن العاص بن وائل كان يقول : إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده ، فإذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه ، وكان قد مات ابنه عبد الله من خديجة ، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : روي عن ابن عباس لما قدم كعب بن الأشرف مكة أتاه جماعة قريش فقالوا : نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا الأبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ؟ فقال : بل أنتم خير منه فنزل : ( إن شانئك هو الأبتر ) ونزل أيضا : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) [ النساء : 51 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثالث : قال عكرمة وشهر بن حوشب : لما أوحى الله إلى رسوله ودعا قريشا إلى الإسلام ، قالوا : بتر محمد أي خالفنا وانقطع عنا ، فأخبر تعالى أنهم هم المبتورون .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الرابع : نزلت في أبي جهل فإنه لما مات ابن رسول الله ، قال أبو جهل : إني أبغضه لأنه أبتر ، وهذا منه حماقة حيث أبغضه بأمر لم يكن باختياره فإن موت الابن لم يكن مراده .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الخامس : نزلت في عمه أبي لهب فإنه لما شافهه بقوله : تبا لك ، كان يقول في غيبته : إنه أبتر .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول السادس : أنها نزلت في عقبة بن أبي معيط ؛ وإنه هو الذي كان يقول ذلك ، واعلم أنه لا يبعد في كل أولئك الكفرة أن يقولوا مثل ذلك فإنهم كانوا يقولون فيه ما هو أسوأ من ذلك ، ولعل العاص بن وائل كان أكثرهم مواظبة على هذا القول ؛ فلذلك اشتهرت الروايات بأن الآية نزلت فيه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية