الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثامنة : اعلم أن الكعبة عبارة عن أجسام مخصوصة هي السقف والحيطان والبناء ، ولا شك أن تلك الأجسام حاصلة في أحياز مخصوصة ، فالقبلة إما أن تكون تلك الأحياز فقط ، أو تلك الأجسام فقط ، أو تلك الأجسام بشرط حصولها في تلك الأحياز لا جائز أن يقال أنها تلك الأجسام فقط ؛ لأنا أجمعنا على أنه لو نقل تراب الكعبة وما في بنائها من الأحجار والخشب إلى موضع آخر وبني به بناء وتوجه إليه أحد في الصلاة لم يجز ذلك ، ولا جائز أن يقال :إنها لتلك الأجسام بشرط كونها في تلك الأحياز ؛ لأن الكعبة لو انهدمت والعياذ بالله ، وأزيل عن تلك الأحياز تلك الأحجار والخشب ، وبقيت العرصة خالية ، فإن أهل المشرق والمغرب إذا [ ص: 111 ] توجهوا إلى ذلك الجانب صحت صلاتهم وكانوا مستقبلين للقبلة ، فلم يبق إلا أن يقال : القبلة هو ذلك الخلاء الذي حصل فيه تلك الأجسام ، وهذا المعنى كما ثبت بالدليل العقلي الذي ذكرناه ، فهو أيضا مطابق للآية ؛ لأن المسجد الحرام اسم لذلك البناء المركب من السقف والحيطان ، والمقدار وجهة المسجد الحرام هو الأحياز التي حصلت فيها تلك الأجسام ، فإذا أمر الله تعالى بالتوجه إلى جهة المسجد الحرام ، كانت القبلة هو ذلك القدر من الخلاء والفضاء ، إذا ثبت هذا فنقول : قال أصحابنا : لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله ، فالواقف في عرصتها لا تصح صلاته ؛ لأنه لا يعد مستقبلا للقبلة ، وذكر ابن سريج أنه يصح ، وهو قول أبي حنيفة ، والاختيار عندي ، والدليل عليه ما بينا أن القبلة هي ذلك القدر المعين من الخلاء ، والواقف في العرصة مستقبل لجزء من أجزاء ذلك الخلاء فيكون مستقبلا للقبلة ، فوجب أن تصح صلاته ، وقالوا أيضا : الواقف على سطح الكعبة من غير أن يكون في قبالته جدار لا تصح صلاته إلا على قول ابن سريج وهو الاختيار عندي ؛ لأنه مستقبل لذلك الخلاء والفضاء الذي هو القبلة فوجب أن تصح صلاته .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية