الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : اعلم أنه لا بد وأن نشير إشارة حقيقية إلى ترتيب أعمال الحج حتى يسهل الوقوف على معنى الآية ، فمن دخل مكة محرما في ذي الحجة أو قبله ، فإن كان مفردا أو قارنا طاف طواف القدوم ، وأقام على إحرامه حتى يخرج إلى عرفات ، وإن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته وأقام إلى وقت خروجه إلى عرفات ، وحينئذ يحرم من جوف مكة بالحج ويخرج ، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة ، والسنة للإمام أن يخطب بمكة يوم السابع من ذي الحجة ، بعدما يصلي الظهر خطبة واحدة يأمر الناس فيها بالذهاب غدا بعدما يصلون الصبح إلى منى ، ويعلمهم تلك الأعمال ، ثم إن القوم يذهبون يوم التروية إلى منى بحيث يوافون الظهر بها ، ويصلون بها مع الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح من يوم عرفة ، ثم إذا طلعت الشمس على ثبير يتوجهون إلى عرفات ، فإذا دنوا منها فالسنة أن لا يدخلوها ، بل يضرب فيه الإمام بنمرة وهي قريبة من عرفة ، فينزلون هناك حتى تزول الشمس ، فيخطب الإمام خطبتين يبين لهم مناسك الحج ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ، فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس ، ثم قام وافتتح الخطبة الثانية والمؤذنون يأخذون في الأذان معه ويخفف بحيث يكون فراغه منها مع فراغ المؤذنين من الأذان ، ثم ينزل فيقيم المؤذنون فيصلي بهم الظهر ، ثم يقيمون في الحال ويصلي بهم العصر ، وهذا الجمع متفق عليه ، ثم بعد الفراغ من الصلاة يتوجهون إلى عرفات فيقفون عند الصخرات ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك ، وإذا وقفوا استقبلوا القبلة يذكرون الله تعالى ويدعونه إلى غروب الشمس .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الوقوف ركن لا يدرك الحج إلا به ، فمن فاته الوقوف في وقته وموضوعه فقد فاته الحج ، ووقت الوقوف يدخل بزوال الشمس من يوم عرفة ، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وذلك نصف يوم وليلة كاملة ، وإذا حضر الحاج هناك في هذا الوقت لحظة واحدة من ليل أو نهار فقد كفى ، وقال أحمد : وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة ، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر فإذا غربت الشمس دفع الإمام من عرفات وأخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء بالمزدلفة .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي تسمية المزدلفة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنهم يقربون فيها من منى ، والازدلاف القرب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الناس يجتمعون فيها ، والاجتماع الازدلاف .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنهم يزدلفون إلى الله تعالى أي يتقربون بالوقوف ، ويقال للمزدلفة : جمع لأنه يجمع فيها بين صلاة العشاء والمغرب ، وهذا قول قتادة ، وقيل إن آدم عليه السلام اجتمع فيها مع حواء ، وازدلف إليها أي دنا منها ، ثم إذا أتى الإمام المزدلفة جمع المغرب والعشاء بإقامتين ، ثم يبيتون بها ، فإن لم يبت بها فعليه دم شاة ، فإذا طلع الفجر صلوا صلاة الصبح بغلس ، والتغليس بالفجر ههنا أشد استحبابا منه في غيرها ، وهو متفق عليه ، فإذا صلوا الصبح أخذوا منها الحصى للرمي ، يأخذ كل إنسان منها سبعين حصاة ، ثم يذهبون إلى المشعر الحرام ، وهو جبل يقال له قزح ، وهو المراد من قوله تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) وهذا الجبل أقصى المزدلفة مما يلي منى ، فيرقى فوقه إن أمكنه ، أو وقف بالقرب منه إن لم يمكنه ، ويحمد الله تعالى يهلله ويكبره ، ولا [ ص: 151 ] يزال كذلك حتى يسفر جدا ، ثم يدفع قبل طلوع الشمس ويكفي المرور كما في عرفة ، ثم يذهبون منه إلى وادي محسر ، فإذا بلغوا بطن محسر فيستحب لمن كان راكبا أن يحرك دابته ، ومن كان ماشيا أن يسعى سعيا شديدا قدر رمية حجر ، فإذا أتوا منى رموا جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ، ويقطع التلبية إذا ابتدأ الرمي ، فإذا رمى جمرة العقبة ذبح الهدي إن كان معه هدي وذلك سنة لو تركه لا شيء عليه ؛ لأنه ربما لا يكون معه هدي ، ثم بعدما ذبح الهدي يحلق رأسه أو يقصر والتقصير أن يقطع أطراف شعوره ، ثم بعد الحلق يأتي مكة ويطوف بالبيت طواف الإفاضة ، ويصلي ركعتي الطواف ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم بعد ذلك يعودون إلى منى في بقية يوم النحر وعليهم البيتوتة بمنى ليالي التشريق لأجل الرمي ، واتفقوا على أنه متى حصل الرمي والحلق والطواف فقد حصل التحلل ، والمراد من التحلل حل اللبس والتقليم والجماع ، فهذا هو الكلام في أعمال الحج والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية