الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اختلفوا في أن المراد بهذا الإنفاق هو الإنفاق الواجب أو التطوع ، أما القائلون بأنه هو [ ص: 43 ] الإنفاق الواجب ، فلهم قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قول أبي مسلم يجوز أن يكون العفو هو الزكاة فجاء ذكرها ههنا على سبيل الإجمال ، وأما تفاصيلها فمذكورة في السنة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن هذا كان قبل نزول آية الصدقات فالناس كانوا مأمورين بأن يأخذوا من مكاسبهم ما يكفيهم في عامهم ، ثم ينفقوا الباقي ، ثم صار هذا منسوخا بآية الزكاة ، فعلى هذا التقدير تكون الآية منسوخة .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : أن المراد من هذا الإنفاق هو الإنفاق على سبيل التطوع ، وهو الصدقة ، واحتج هذا القائل بأنه لو كان مفروضا لبين الله تعالى مقداره ، فلما لم يبين بل فوضه إلى رأي المخاطب علمنا أنه ليس بفرض .

                                                                                                                                                                                                                                            وأجيب عنه : بأنه لا يبعد أن يوجب الله شيئا على سبيل الإجمال ، ثم يذكر تفصيله وبيانه بطريق آخر .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( كذلك يبين الله لكم الآيات ) فمعناه أني بينت لكم الأمر فيما سألتم عنه من وجوه الإنفاق ومصارفه فهكذا أبين لكم في مستأنف أيامكم جميع ما تحتاجون .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ) فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الحسن : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : ( كذلك يبين الله لكم الآيات ) فيعرفكم أن الخمر والميسر فيهما منافع في الدنيا ومضار في الآخرة ، فإذا تفكرتم في أحوال الدنيا والآخرة علمتم أنه لا بد من ترجيح الآخرة على الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : يعرفكم أن إنفاق المال في وجوه الخير لأجل الآخرة وإمساكه لأجل الدنيا فتتفكرون في أمر الدنيا والآخرة وتعلمون أنه لا بد من ترجيح الآخرة على الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه لما أمكن إجراء الكلام على ظاهره كما قررناه في هذين الوجهين ففرض التقديم والتأخير -على ما قاله الحسن - يكون عدولا عن الظاهر لا لدليل ، وأنه لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية