الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومن الكلام القهقهة ، فإنها لا تنقض الوضوء في الصلاة ولا خارج الصلاة ، لكنها تبطل الصلاة فقط كما يبطلها الكلام ؛ لقول جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : " من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء " رواه الدارقطني [ ص: 324 ] وصححه ، ورواه مرفوعا بإسناد فيه مقال . وذكر الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري مثله ، ولم يثبت عن صحابي خلافه ؛ لأنه لا ينقض خارج الصلاة ، فكذلك في الصلاة كالكلام المحرم ، وأولى من وجهين :

أحدهما : أن الكلام محرم في الموضعين ، والقهقهة محرمة في الصلاة خاصة .

الثاني : أن الصلاة تمنع الوضوء مما لا يمنع منه خارج الصلاة خشية إبطالها ؛ ولهذا نهي الشاك في وضوئه أن يبطل صلاته لأجل تجديد الوضوء ، ويستحب لمن شك في غير الصلاة . والمتيمم إذا رأى الماء يبطل تيممه اتفاقا ، إلا أن يكون في الصلاة ، ففيه خلاف . وهل يستحب الوضوء من القهقهة ؟ فيه وجهان :

أحدهما : يستحب ؛ لما روى أبو العالية قال : جاء رجل في بصره سوء ، فدخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، فتردى في حفرة كانت في المسجد ، فضحك طوائف منهم ، فلما قضى صلاته " أمر من كان ضحك أن يعيد الضوء والصلاة " . رواه الدارقطني وغيره مرسلا ، عن الحسن ، [ ص: 325 ] وإبراهيم ، والزهري ، ومراسيلهم كلها ترجع إلى أبي العالية ، ومراسيله قد ضعفت .

وروي مسندا من وجوه واهية جدا ، وقد طعن فيه من جهة أن الصحابة كيف يظن بهم الضحك في الصلاة ، وهذا ضعيف ، فإن الذي ضحك بعضهم ، ولعلهم من الذين انفضوا من الجمعة لما جاءت العير وسمعوا اللهو ، ثم الضحك أمر غالب قد يعذر فيه بعض الناس ، ومثل هذا الحديث لا يوجب شريعة ليس لها أصل ولا نظير من غيره ، وإنما عملنا به في الاستحباب لثلاثة وجوه :

أحدها : أن المستحبات يحتج فيها بالأحاديث الضعاف إذا لم يكن فيها تغيير أصل ؛ لما روى الترمذي ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 326 ] " من بلغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك " .

وثانيها : أنه بتقدير صحته ليس فيها تصريح بانتقاض وضوئهم ، لعلهم أمروا بذلك ؛ لأن القهقهة في الصلاة ذنب وخطيئة ، فيستحب الوضوء والصلاة عقبها ، كما جاء في حديث أبي بكر المتقدم ، وكما أمر اللذين اغتابا بأن يعيدا الوضوء والصلاة في حديث ابن عباس ، وكما قد حمل بعضهم حديث معاذ في الذي لمس المرأة ، وهذا لأن القهقهة في الصلاة استخفاف بها واستهانة ، فيستحب الوضوء منها كالوضوء من الكلام المحرم ، وهذا أقرب إلى قياس الأصول ، وأشبه بالسنة ، فحمل الحديث عليه أولى .

الوجه الثاني : لا يستحب ولا يكره ، وهو ظاهر كلامه ، فإنه قال : " لا أرى عليه الوضوء " فإن توضأ فذلك إليه ؛ إذ لا نص فيه ، والقياس لا يقتضيه . ولو أزال من محل وضوئه ظفرا أو شعرا - ظهرت بشرته أو لم تظهر - فإن [ ص: 327 ] وضوءه بحاله ، نص عليه ؛ لأن الفرض متعلق بظاهر الشعر والظفر ، فظهور الباطن لا يبطله ، كما لو انكشط جلده أو قطعت يده ؛ ولهذا لا يجزئ غسل البشرة المستترة باللحية عن ظاهرها ، بخلاف قدم الماسح ورأسه ، وفرق أحمد بينهما بأن هذا شيء يسير فهو ، كما لو نتف شعرة . وقد روي عن ابن عمر أنه قلم أظافره فقال له رجل : " ألا تتوضأ ؟ " فقال : " أتوضأ ؟ إنك لأكيس ممن سمته أمه كيسان " . واستحسن بعض أصحابنا أن يتوضأ من ذلك أو يمر عليه الماء ؛ لأن بعض السلف أوجب الوضوء من ذلك ، ففيه خروج من الاختلاف .

وقد روى حرب في مسائله " أن عليا كان إذا قلم أظفاره وأخذ شاربه توضأ ، وإذا احتجم اغتسل " والمنصوص عن أحمد والقاضي استحباب مسحه بالماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية