الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل :

فإن كان محدثا وعليه نجاسة والماء يكفي إحدى الطهارتين ، أزال به النجاسة وتيمم ؛ لأن التيمم عند الحدث ثابت بالنص والإجماع .

حتى لو كانت النجاسة على ثوبه الذي لا يجد غيره ، أزالها بالماء في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى يتوضأ ويدع الثوب ، وإن لم يتيمم له ؛ لأن طهارة الثوب مختلف فيها والوضوء مجمع عليه ، ولو كانت النجاسة على بدنه وثوبه غسل الثوب وتيمم للبدن ، ويتوجه على الرواية الثانية أن يغسل البدن .

الشرط الثاني : ( الوقت ، فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها ، ولا لنافلة في وقت النهي عنها ) هذا المشهور في المذهب لأن الله أمر القائم إلى الصلاة بالوضوء فإن لم يجد الماء تيمم ، وهذا يقتضي أن لا يتيمم إلا بعد " القيام " إلى الصلاة وإعواز الماء ، وإنما جاز الوضوء قبل الوقت لأنه [ ص: 441 ] يرفع الحدث بخلاف التيمم ، أو لأن الآية خطاب للمحدثين ، والمتيمم داخل فيهم بخلاف المتوضئ ، ولأن التيمم طهارة ضرورة فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة ، ولأنه حكم مقيد بالضرورة فتقيد بقدرها ، كأكل الميتة ، ولأنه هو مستغن عنه فلم يجز كتيمم الواجد للماء مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت " وقوله عليه السلام : " أينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره " رواهما الإمام أحمد .

وفي رواية أخرى مخرجة أنه يجزئ كالماء ، وهذا في التيمم للصلاة ، فأما التيمم لغير ذلك مما تبيحه الطهارة كالطواف ومس المصحف وقراءة القرآن واللبث في المسجد والحائض المنقطع دمها للوطء ، فيجوز في كل وقت يجوز فعله فيه ؛ لأنها أفعال تبيحها الطهارة بالماء فأبيحت بالتراب كالصلاة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين " فإذا دخل الوقت جاز له أن يتيمم ويصلي سواء غلب على ظنه أنه يجد الماء في الوقت أو لم يغلب ، ولا إعادة عليه إذا وجد الماء في الوقت إلا إذا تيقن وجود الماء في الوقت على رواية تقدمت لأنه مخاطب بالصلاة في أول الوقت . وقد روى أبو داود والدارقطني عن أبي سعيد أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ، فتيمما صعيدا طيبا فصليا ، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه [ ص: 442 ] وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد : " أصبت السنة وأجزأتك صلاتك " وقال للذي أعاد : " لك الأجر مرتين " ولأنه أدى فرضه كما أمر فلم يلزمه إعادة كما لو وجد الماء بعد الوقت لكن إن أعاد في الوقت فهو مستحب في أحد الوجهين للحديث الذي ذكرناه ، ولأن من العلماء من يوجب الإعادة ، وفي الآخر لا تستحب كالمستحاضة إذا انقطع دمها في الوقت بعد الصلاة وللماسح على الخفين ، فأما إذا وجد الماء بعد الوقت فلا تشرع الإعادة ، والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت ، وأن لا يزال يطلبه حتى يخاف فوت الوقت ، نص عليه ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أجنب الرجل في السفر تلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن لم يجد الماء تيمم " رواه أبو حفص . ولأن التأخير جائز من غير كراهة ، فإذا كان لتحصيل فضيلة مرجوة كان أفضل ، كما لو أخره لطلب جماعة أو تخفف من الأخبثين وأولى ، وهذا عند أكثر أصحابنا كالقاضي وأبي الخطاب وغيرهما ، لمن يرجو وجود الماء [ ص: 443 ] في آخر الوقت بحيث يكون طمعه ويأسه متقاربين ، فأما إن يئس من وجوده في غالب الظن فلا يستحب التأخير ، ومنهم من استحب التأخير مطلقا ؛ لأن وجود الماء ممكن . وكلام أحمد مطلق في استحباب التأخير ، وإذا تيمم للمكتوبة صلى صلاة الوقت وجمع بين الصلاتين وصلى الفوائت والنوافل والجنازة حتى يخرج الوقت في أشهر الروايات ، وفي الأخرى يتيمم لكل فريضة ، وقيل : يتيمم لكل نافلة أيضا ، ولكل حال يستبيح الطواف وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد ، وكذلك وطء الحائض في أقوى الوجهين ، والثالثة يصلي بتيممه ما لم يحدث كالماء ، ووجه الأولين ما روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : " من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ، ثم يتيمم للصلاة الأخرى " .

والصاحب إذا أطلق السنة فإنما يعني سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى ابن المنذر عن ابن عمر قال : " يتيمم لكل صلاة " وعن علي قال : " التيمم عند كل صلاة " وعن عمرو بن العاص قال : " يجدد لكل صلاة تيمما " ولم يعرف لهم في الصحابة مخالف ، إلا رواية عن ابن " عباس " والمشهور عنه خلافها ، ولأن الله تعالى أمرنا بالتيمم عند القيام إلى الصلاة [ ص: 444 ] كما تقدم ، ولأن التيمم لا يرفع الحدث لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص " أصليت بأصحابك وأنت جنب " سماه جنبا مع علمه أنه قد تيمم للبرد .

ولأن المتيمم إذا وجد الماء استعمله بحكم الحدث السابق ، فلو كان الحدث قد ارتفع لما عاد إلا بوجود سببه ، فمن قال : يتيمم لفعل كل صلاة ، تمسك بظاهر هذه الآثار ، والصحيح أن معناه يتيمم كل صلاة من الصلوات المعهودة ، هي المكتوبات في أوقاتها لأنه المتبادر إلى الفهم من ذلك ، ولهذا قال ابن عباس " ثم يتيمم للصلاة الأخرى " والتعريف للعهد ، ولهذا لا يجب التيمم لفعل كل نافلة وواجب فما قال : يتيمم للصلاة الأخرى ، بل قال : يتيمم للرواتب قبلها وبعدها ، وقول علي : عند كل صلاة ، تنبيه على الوقت ، ولأن النوافل تفعل بتيمم واحد وبتيمم الفريضة ، فكذلك الفرائض في وقت واحد ، ولأن طهارة المستحاضة إنما تبطل بخروج الوقت مع دوام الحدث وتجدده فطهارة المتيمم أولى ، وإذا نوى الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية صار وقتها وقتا واحدا حتى لو تيمم في وقت الأولى لهما أو الفائتة ، لم يبطل تيممه بدخول وقت الثانية ، وإذا استباح ما تمنع منه الجنابة كقراءة القرآن واللبث في المسجد ، أو حدث الحيض كالوطء ، بتيمم له ، أو لصلاة ، بطل أيضا بخروج الوقت في أحد الوجهين ، اختاره القاضي ، وفي الآخر لا تبطل كما لا تبطل إلا بنواقض الوضوء لأن وقت الصلاة لا تعلق له بذلك ، ويحتمل أن تبطل إذا استباح ذلك بتيمم الصلاة دون ما استباحه بتيممه .

التالي السابق


الخدمات العلمية