الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 113 ] ( الفصل الرابع )

أنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحته إلا على مسلم لأن الله - سبحانه - قال : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) فنهاهم أن يقربوه ، ومنعهم منه . فاستحال أن يؤمروا بحجه ، ولأنه لا يصح الحج منهم ، ومحال أن يجب ما لا يصح لما روى أبو هريرة أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعثه في الحجة التي أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس "ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان " متفق عليه وكان هذا النداء بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث أبا بكر يقيم للناس الحج ، ويقطع العهود التي بينه وبين المشركين وينهاهم عن الحج ، وبعث عليا - رضي الله عنه - يقرأ سورة براءة وينبذ إلى المشركين .

وعن زيد بن أثيع ، ويقال يثيع قال : سألت عليا بأي شيء بعثت ، قال : "بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا ، ومن كان بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- [ ص: 114 ] عهد فعهده إلى مدته ، ومن لا مدة له فأربعة أشهر " رواه أحمد والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح .

وقد منع الله - سبحانه - المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم من سكنى جزيرة العرب مبالغة في نفيهم عن مجاورة البيت .

ومن عرف بالكفر ، ثم حج حكم بإسلامه في أصح الوجهين .

فأما وجوبه عليهم بمعنى أنهم يؤمرون به بشرطه ، وأن الله يعاقبهم على تركه فهو ظاهر المذهب عندنا لأن الله - تعالى - قال : ( ولله على الناس حج البيت ) فعم ولم يخص [ ص: 115 ] وروى أحمد عن عكرمة قال : لما نزلت : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) قالت اليهود : فنحن المسلمون ، فقال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) فحجوا ، فأبوا فأنزل الله : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) من أهل الملل ، وفي رواية لما نزلت : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) قالت الملل : فنحن المسلمون ، فأنزل الله : تعالى - : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) فحج المسلمون وقعد الكفار .

ولا يجب على الكافر سواء كان أصليا ، أو مرتدا في أقوى الروايتين ، فلو [ ص: 116 ] ملك في حال كفره زادا وراحلة ، ثم أسلم وهو معدم فلا شيء عليه لقوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) وأما إذا وجب على المسلم فلم يفعله حتى ارتد ثم أسلم فهو باق في ذمته سواء كان قادرا ، أو عاجزا في المشهور من المذهب .

وإن حج ثم ارتد ثم أسلم فهل عليه أن يحج ؟ على روايتين : إحداهما : عليه أن يحج نص عليه في رواية ابن منصور ، وهذا اختيار [ ص: 117 ] القاضي .

والثانية : لا حج عليه .

ولا يصح الحج من كافر ، فلو أحرم وهو كافر لم ينعقد إحرامه ولو ارتد بعد الإحرام بطل إحرامه

التالي السابق


الخدمات العلمية