الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

وأما الواجب عليه إذا وطئ بعد التحلل الأول ؛ فقد قال - في رواية أبي [ ص: 239 ] الحارث - : يأتي مسجد عائشة فيحرم بعمرة فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال ، وعليه دم ، وقال - في رواية الميموني وابن منصور وابن الحكم - : إذا أصاب الرجل أهله بعد رمي الجمرة ينتقض إحرامه يتعمر من التنعيم ويهريق دم شاة ويجزئه فإذا خرج إلى التنعيم فأحرم ، فيكون إحرام مكان إحرام ويهريق دما . يذهب إلى قول ابن عباس يأتي بدم ويتعمر من التنعيم .

وقال - في رواية المروذي فيمن وطئ قبل رمي جمرة العقبة - : فسد حجه وعليه الحج من قابل فإن رمى وحلق وذبح ووطئ قبل أن يزور البيت : عليه دم ويتعمر من التنعيم ؛ لأن عليه أربعة أميال مكان أربعة ، وكذلك نقل أبو طالب : يعتمر من التنعيم لأنه من منى إلى مكة أربعة أميال ، ومن التنعيم أربعة أميال .

وقال - في رواية الفضل بن زياد في من واقع قبل الزيارة - يعتمر من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق .

وذلك لما روى قتادة عن علي بن عبد الله البارقي : " أن رجلا وامرأة أتيا ابن عمر قضيا المناسك كلها ما خلا الطواف فغشيها ، فقال ابن عمر : عليهما الحج عاما قابلا ، فقال : أنا إنسان من أهل عمان ، وإن دارنا نائية ، فقال : [ ص: 240 ] وإن كنتما من أهل عمان ، وكانت داركما نائية حجا عاما قابلا ، فأتيا ابن عباس ، فأمرهما أن يأتيا التنعيم ، فيهلا منه بعمرة ، فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال وإحرام مكان إحرام ، وطواف مكان طواف " رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك عنه ، وروى مالك عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة - قال : لا أظنه إلا عن ابن عباس - قال : " الذي يصيب أهله قبل أن يفيض : يتعمر ويهدي " ورواه النجاد ، عن عكرمة عن ابن عباس من غير شك . فإذا اختلف الصحابة على قولين :

أحدهما : إيجاب حج كامل ، والثاني إيجاب عمرة : لم يجز الخروج عنهما ، والاجتزاء بدون ذلك . ولا يعرف في الصحابة من قال بخلاف هذين ، وقد تقدم أنه لا يفسد جميع الحجة ، فبقي قول ابن عباس .

وأيضا : فإنه كان قد بقي عليه من الحج أن يفيض من منى إلى مكة ، فيطوف طواف الإفاضة ، ويسعى معه ، وإن كان لم يسع أولا فيما بقي عليه من إحرامه ، وهو الإحرام من النساء خاصة . فإذا وطئ فقد فسد هذا الإحرام فإن ما يفسد الإحرام الكامل : يفسد الإحرام الناقص بطريق الأولى ، ولو لم يجب عليه استبقاء الإحرام من النساء إلى تمام الإفاضة : لجاز الوطء قبلها ، وهو غير جائز بالسنة والإجماع . فإذا فسد ما بقي من الإحرام : فلو جاز أن يكتفي به لجاز الاكتفاء بالإحرام الفاسد عن الصحيح ، ولو وقعت الإفاضة وطوافها في غير إحرام صحيح وهذا غير مجزئ وإذا وجب أن يأتي بإحرام صحيح : فلا بد أن يخرج إلى الحل ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم [ ص: 241 ] ثم اختلف أصحابنا في صفة ما يفعل : فمنهم من أطلق القول بأن عليه عمرة يخرج إلى التنعيم فيهل بها على لفظ المنقول عن ابن عباس وأحمد .

وقال الخرقي : يمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم ، وكذلك قال ابن أبي موسى : ويخرجان إلى التنعيم فيحرمان بعمرة ليطوفا طواف الإفاضة وهما محرمان ، إنما الواجب عليه الإحرام فقط ليطوف في إحرام صحيح ، وليس عليه سعي ، ولا حلق ، لكن هل يلبي وكيف يحرم ؟ .

وقال القاضي - في آخر أمره - : يمضي في بقية الحج في الإحرام الذي أفسده ، فيطوف طواف الإفاضة ، ويسعى إن كان لم يسع في ذلك الإحرام الفاسد ، ثم يقضي هذا بإحرام صحيح من الحل يطوف فيه ويسعى ، سواء كان قد سعى عقب طواف القدوم ، أو لم يسع ؛ قال : لأن أحمد أطلق القول في رواية الجماعة أنه يحرم بعمرة ، ولم يقل يمضي في بقية إحرامه ، ومعناه : أنه يحرم ليفعل أفعال العمرة . وقد نقل عنه ما يدل على أنه يمضي فيما بقي .

وقال - في رواية الفضل - : إنه يعتمر من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق ، فقد أمره بتأخير الإحرام بعد أيام التشريق ، وليس هذا إلا لاشتغاله ببقية أفعال [ ص: 242 ] الحج لأن القضاء إنما يكون تمام ما بقي عليه ، قال : وقد نص - فيمن نسي طواف الزيارة حتى رجع بلده - يدخل متعمرا ، فيطوف بعمرة ، ثم يطوف طواف الزيارة .

ووجه هذا : أنه قد أفسد ما بقي عليه ، والإفساد يوجب المضي فيما بقي من النسك وقضاءه ، فوجب عليه أن يمضي فيه ، ووجب القضاء . لكن الإحرام المبتدأ لا يكون إلا بحج أو عمرة ، فوجب عليه أن يأتي بعمرة تامة تكون قضاء لما أفسده من بقية النسك ، وعلى هذا فيلبي في إحرامه ، ويحلق أو يقصر إذا قضاه لأنها عمرة تامة .

وقال القاضي - في المجرد - والشريف أبو جعفر وابن عقيل وغيرهم : إنما عليه عمرة فقط وهذا هو المنقول عن ابن عباس وأحمد وهو الصواب .

ثم اختلفت عباراتهم : فقال القاضي - في موضع - والشريف : معناه أنه يحرم للطواف والسعي ؛ وهو أفعال العمرة فالمعنى : أنه يأتي في إحرامه بأفعال العمرة . وقال ابن عقيل : كلام أحمد يدل على أنه يحرم بنفس العمرة حتى لا يكون إحرامه لمجرد الطواف والسعي الذي هو فعل من أفعال الحج ، بل يحرم بنسك كامل ، ويجعل ما بقي من الحج داخلا في أثنائه ، ولا يكفيه أن يأتي بما بقي من غير إحرام . وهذا أجود فعليه أن يأتي بعمرة تامة يتجرد لها ، ويهل من [ ص: 243 ] الحل ويطوف ويسعى ويقصر ، أو يحلق ويعتقد أن هذه العمرة قائمة مقام ما بقي عليه ، وأن طوافها هو طواف الحج الذي كان عليه ، فإن ابن عباس وأحمد : صرحا بأنه يتعمر ويهدي ، وفسرا ذلك بأربعة أميال مكان أربعة أميال .

نعم وجب عليه إنشاء الإحرام ليأتي بما بقي عليه في إحرام صحيح ، ومن لوازم الإحرام المبتدأ أن يتجنب فيه جميع المحظورات ، وأن يهل فيه ، وأن لا يتحلل منه إلا بعد السعي والحلق . وهذه الزيادات وإن لم تكن كانت واجبة ، فإنها وجبت لجبر ما قد فسد من إحرامه إذ لا يمكن الجبر إلا بإحرام صحيح ، ولا يكون الإحرام الصحيح إلا هكذا .

وقول أحمد : يعتمر أيام التشريق : ليس فيه دليل على أنه يفيض في ذلك الإحرام الفاسد ، وإنما أمره بذلك لأن العمرة يشرع أن تكون بعد أيام التشريق وهو يرمي الجمار أيام التشريق ؛ لأن الجمار إنما يكون بعد الحل كله ، فوقوعه بعد فساد الإحرام : لا يضره ، ووقوع طواف الإفاضة بعد أيام منى : جائز . نعم قد يكره... ، وإنما لم يجب عليه المضي فيما بقي بإحرامه الفاسد وقضاؤه : لأن القضاء المشروع يحكي الأداء ، وهنا ليس القضاء مثل الأداء ، وإنما وجب عليه عمرة فيها إحرام تام ، وخروج إلى الحل ، وطواف وسعي وغير ذلك ، وإنما كان عليه طواف فقط وهو متطيب لابس يفيض إلى مكة من منى ، فأغنى إيجاب هذه الزيادات عن طوافه في ذلك الإحرام الفاسد .

وأما من أوجب عليه إحراما صحيحا ليطوف فيه فقط : فهذا خلاف الأصول ؛ لأن كل إحرام صحيح من الحل يتضمن الإهلال : لا بد له من إحلال ، والمحرم : لا يحل إلا بالحلق أو التقصير بعد طواف وسعي ، فكيف يحل بمجرد السعي ، اللهم إلا على قولنا بأن السعي والحلاق شيئان غير واجبين ، فهنا يحل بمجرد [ ص: 244 ] الطواف ويكون هذا عمرة ...

ولا يتعين الإحرام من التنعيم ، بل له أن يحرم من أي الجوانب شاء .

وإن اعتمر في أيام التشريق .

وإن وطئ بعد إفاضته ، وقبل طوافه ، أو قبل تكميل الطواف ، فنقل الميموني ...

التالي السابق


الخدمات العلمية