الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما صفة الأجناس : فإن الطيب كله جنس واحد واللباس كله جنس واحد ، ويدخل فيه تظليل المحمل . وتقليم الأظفار جنس واحد ، وحلق الشعر جنس واحد ، والمباشرة كلها جنس واحد يعني إذا اتحد موجبها هكذا ذكره أصحابنا ؛ القاضي وأصحابه ومن بعدهم .

ويحتمل كلامه أن يكون الحلق والتقليم جنسا واحدا .

وهل شعر الرأس وشعر البدن جنس ، أو جنسان ؟ على روايتين منصوصتين ؛ -

إحداهما : هو جنسان وهي اختيار أبي بكر والقاضي وأكثر أصحابنا ؛ قال - في رواية عبد الله والمروذي ، وابن إبراهيم ، وجعفر بن محمد : في الرأس كفارة ، وفي البدن كفارة .

والرواية الثانية : جنس واحد اختارها أبو الخطاب وغيره ؛ قال - في رواية ابن منصور - في الطيب كفارة ، وفي الشعر كفارة ، ولم يفصل .

[ ص: 393 ] وقال - أيضا في رواية سندي - : شعر الرأس ، واللحية ، والإبط سواء لا أعلم أحدا فرق بينها ، إلا أن هذا في وجوب الفدية ، وليس صريحا بالتداخل .

وقال - في رواية ابن إبراهيم - في محرم مرض في الطريق فحلق رأسه ولبس ثيابه واطلى : عليه هديان .

ولو كانا جنسين لأوجب ثلاثة دماء ؛ لأن اللباس وحده فيه هدي ؛ وذلك لأن حلق الشعر كله يشترك في الاسم الخاص فوجب أن يكون جنسا واحدا كالطيب وتقليم الأظفار .

ووجه الأول : أن شعر الرأس يخالف شعر البدن فإن النسك يتعلق بأحدهما دون الآخر لاختلاف المقصود ، ولذلك قد اختلفا في تغطية أحدهما دون الآخر وفي دهن أحدهما دون الآخر ، وفي غسل أحدهما بالسدر والخطمي دون الآخر .

وعلى هذه الرواية : فتغطية الرأس ، ولبس المخيط جنس واحد ، وكذلك التطيب فيهما في رواية فيمن لبس عمامة وجبة : فهو كفارة إذا لم يفرق . وقد [ ص: 394 ] تقدم نصه في رواية الأثرم : على أنه إذا لبس اليوم عمامة ، وغدا جبة ، وبعد غد قميصا - لمرض واحد - فكفارة واحدة .

لكن قد يقال : إنما اتحدت الكفارة بناء على أن الجنسين إذا فعلهما مرة واحدة ، أو لسبب واحد اتحدت كفارتهما ، لكن المنصوص عنه خلافه .

وعنه : أن كفارة الرأس لا تدخل في كفارة البدن مطلقا قال - في رواية عبد الله والمروذي وابن إبراهيم - في الرأس كفارة ، وفي الجسد كفارة وإذا حلق ولبس العمامة وإذا تنور ولبس القميص : ففي الرأس فدية وفي الجسد فدية كفارتان . وكذلك في رواية الأثرم .

قال ابن أبي موسى : اختلف قوله فيمن لبس الثياب ، وغطى رأسه مكانه على روايتين :

قال - في إحداهما - : عليه فدية واحدة ، وقال في الأخرى : في لبس الرأس فدية وفي البدن فدية .

ولم يختلف قوله : إنه إذا فرق لبسه أن عليه لكل لبسة كفارة ، ويخلع ما لبسه ، فإن لبس وكفر ثم عاد فلبس : فكفارة ثانية ، وكذلك من وجبت عليه كفارة من طيب ، أو غيره فكفر ثم عاد إلى مثل ذلك : فعليه كفارة أخرى ، فإن لم يكفر حتى عاود إلى مثل ذلك الفعل : فليس عليه إلا كفارة واحدة .

وهذا صريح من ابن أبي موسى : أن تغطية الرأس ، ولبس المخيط : جنسان رواية واحدة . وإنما اختلفت الروايتان إذا فعلهما في مجلس واحد [ ص: 395 ] ثم قال : ولو وجدت به علة احتاج معها إلى لبس المخيط ، لبس وكفر كفارة واحدة وسواء كانت العلة في رأسه وبدنه ، أو في أحدهما .

فإن حدث به علتان مختلفتان ، إحداهما في رأسه والأخرى في بدنه ، فلبس ثوبا لأجل العلة ، وغطى رأسه لأجل الأخرى : فكفارتان .

قال أبو بكر : الذي أقول به : في الرأس كفارة ، وفي البدن كفارة ، فأينما صنع في جسده من فعل تكرر ، أو اختلف : فكفارة واحدة ما لم يكفر ثم يعود . فإذا كان في الرأس والجسد ولم يتكرر : فكفارة في الرأس ، وكفارة في الجسد .

وعلى هذا القول : فالتعدد : لتعدد المحل ، والاتحاد : لاتحاده فكل ما يصنع في الرأس من تغطية وحلق وغيره : ففيه كفارة واحدة ، وما يصنع في البدن : ففيه كفارة ؛ لأن أحكام الرأس في الحلق واللباس والطيب خالفت أحكام البدن فوجب أن لا يدخل أحدهما في الآخر ، فصارا كالشخصين .

وأما دخول بعض أفعال الرأس في بعض : فهو مبني على تداخل الأجناس ، وإنما اختار أبو بكر التداخل ؛ لأن من أصله أن الأجناس تتداخل ، كفارتها .. . ، وأما الدهن إذا أوجبنا به الكفارة ، أو إزالة الوسخ مثل السدر والخطمي ، والرأس ، والبدن ، أو التزين .. . .

التالي السابق


الخدمات العلمية