الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف : رحمه الله تعالى ( أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين ، قال الشافعي رحمه الله : أعجل من سمعت من النساء تحيض ، نساء تهامة يحضن لتسع سنين ، فإذا رأت الدم لدون ذلك فهو دم فساد ، ولا تتعلق به أحكام الحيض ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) تهامة - بكسر التاء - وهو : اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز ، ومكة من تهامة ، قال ابن فارس : سميت تهامة من التهم يعني [ ص: 401 ] بفتح التاء والهاء - وهو شدة الحر وركود الريح ، وقال صاحب المطالع : سميت بذلك لتغير هوائها ، يقال : تهم الدهن إذا تغير .

                                      ( أما حكم المسألة ) ففي أقل سن يمكن فيه الحيض ؟ ثلاثة أوجه الصحيح استكمال تسع سنين ، وبه قطع العراقيون وغيرهم . والثاني : بالشروع في التاسعة . والثالث : بمضي نصف التاسعة ، والمراد بالسنين القمرية . والمذهب الذي عليه التفريع استكمال تسع وهل هي تحديد أم تقريب ؟ وجهان حكاهما صاحب الحاوي والدارمي في كتاب المتحيرة والمتولي والشاشي وغيرهم .

                                      ( أحدهما ) : تحديد ، فلو نقص عن التسع ما نقص فليس بحيض وهذا مقتضى إطلاق كثيرين ( وأصحهما ) تقريب صححه الروياني والرافعي وغيرهما ، فعلى هذا قال صاحب الحاوي : لا يؤثر نقص اليوم واليومين ، قال الدارمي : لا يؤثر الشهر والشهران . قال المتولي والرافعي : إن كان بين رؤية الدم واستكمال التسع ما لا يسع حيضا وطهرا كان ذلك الدم حيضا وإلا فلا . قال المتولي : وإذا قلنا : تحديد فرأته قبل التسع متصلا باستكمالها نظر إن رأت قبل التسع أقل من يوم وليلة وبعد التسع يوما وليلة جعل الجميع حيضا وإذا رأت قبل التسع يوما وليلة وبعدها دون يوم وليلة فليس لها حيض وإن كان الجميع يوما وليلة بعضه قبل التسع وبعضه بعدها فهل يجعل حيضا ؟ فيه وجهان ، قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات : كل هذا عندي خطأ ; لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود ، فأي قدر وجد في أي حال وسن كان ، وجب جعله حيضا والله أعلم . ثم إن الجمهور لم يفرقوا في هذا بين البلاد الحارة والباردة وفيه وجه حكاه إمام الحرمين عن حكاية والده أنه إذا وجد الدم لتسع سنين في البلاد الباردة التي لا يعهد في أمثالها مثل ذلك فليس بحيض والمذهب الأول . قال أصحابنا : قال الشافعي رحمه الله : رأيت جدة بنت إحدى وعشرين سنة وقيل : إنه رآها بصنعاء اليمن قالوا : هذا رآه واقعا ويتصور جدة بنت تسع عشرة سنة ولحظة فتحمل لتسع وتضع لستة أشهر بنتا ، وتحمل تلك البنت [ ص: 402 ] لتسع سنين ، وتضع لستة أشهر ، هذا ما يتعلق بأقل سن الحيض ، وأما آخره فليس له حد بل هو ممكن حتى تموت كذا قاله صاحب الحاوي وغيره وهو ظاهر . قال أصحابنا : فالمعتمد في هذا الوجود ، وقد وجد من تحيض لتسع سنين ، فوجب المصير إليه كما يرجع إلى العادة في أقل مدة الحمل وأكثرها . وفي القبض في المبيع وإحياء الموات والحرز في السرقة وغيرها ، أما إذا رأت الدم لدون أقل سن الحيض المذكور فليس بحيض ، بل هو حدث ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل ولا يمنع الصوم ولا يتعلق به شيء من أحكام الحيض ويسمى دم فساد . وهل يسمى استحاضة ؟ فيه خلاف قدمناه في أول الباب . وإذا ادعت المرأة الحيض في سن الإمكان قبل قولها بغير يمين كما يقبل قول الغلام في إنزال المني لسن الإمكان والله أعلم .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا : أقل سن يجوز أن تنزل المرأة فيه المني هو سن الحيض وفيه الأوجه الثلاثة السابقة ، الصحيح استكمال تسع سنين ، قال إمام الحرمين : وعلى الجملة هي أسرع بلوغا من الغلام ، وأما الغلام فاختلفوا فيه وحاصل المنقول فيه ثلاثة أوجه ، ( أصحها ) عند العراقيين : استكمال تسع سنين ، وبهذا قطع جماعة منهم هنا في باب الحيض كالشيخ أبي حامد والبندنيجي والقاضي أبي الطيب وابن الصباغ .

                                      ( والثاني ) : مضي تسع سنين ونصف ، وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله في كتاب اللعان .

                                      ( والثالث ) : استكمال عشر سنين ، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في باب الحجر وما يلحق من النسب والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية