الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتثبت العادة بالتمييز كما تثبت بانقطاع الدم ، فإذا رأت المبتدأة خمسة أيام دما أسود ثم أصفر واتصل ، ثم رأت في الشهر الثاني دما مبهما ، كان عادتها أيام السواد ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الذي ذكره من ثبوت العادة بالتمييز هو الصحيح المشهور وبه قطع الأصحاب في الطريقتين ، وحكى إمام الحرمين وجها أنه لا تثبت العادة بالتمييز بل متى انخرم التمييز وأطبق الدم على لون واحد كانت كمبتدأة لم تميز قط وفيها القولان : والصواب الأول . ثم الجمهور في الطرق كلها أطلقوا القول بالرجوع إلى العادة التمييزية . وقال المتولي والسرخسي : لا ترجع إليها إلا إذا كان الحيض والطهر فيها ثلاثين يوما فما دونها ، فإن زاد لم يكن للتمييز حكم بناء على الوجه الضعيف في اشتراط ذلك في العمل بالتمييز ، وهذا شاذ متروك ، والصواب : أنه لا فرق . قال القاضي أبو الطيب والأصحاب : وإذا رأت بعد شهر التمييز دما مبهما ، [ ص: 445 ] اغتسلت بعد مضي قدر أيام التمييز وصلت وصامت ، وفعلت ما تفعله الطاهرة المستحاضة ولا تمسك إلى الخمسة عشر بخلاف الشهر الأول ; لأنا قد علمنا استحاضتها ، وهكذا في كل شهر تغتسل بعد مضي قدر التمييز ، فإن انقطع الدم في بعض الشهور قبل مجاوزة خمسة عشر فجميع ما رأته في هذا الشهر حيض .

                                      ( فرع ) لو كان عادتها خمسة سوادا وباقي الشهر حمرة وتكرر هذا مرات ثم رأت في بعض الأدوار عشرة سوادا ، ثم باقيه حمرة ، ثم أطبق السواد في الدور الذي يليه . قال إمام الحرمين والغزالي والرافعي : اتفق الأصحاب على أنا نحيضها من كل شهر عشرة أيام ، ولو رأت خمسة سوادا ثم باقي الشهر حمرة وتكرر هذا ثم رأت في شهر عشرة سوادا ثم باقيه حمرة ثم أطبق دم مبهم في الذي يليه قالوا : فحيضها أيضا في هذا الدور وما بعده العشرة . قال الرافعي : في الصورتين إشكالان : ( أحدهما ) : أنهم حكموا في الصورة الأولى بالرد إلى العشرة ، وهذا ظاهر إن أثبتنا العادة بمرة وإلا فينبغي ألا يكتفى بسبق العشرة مرة ، قال الغزالي : هذه عادة تمييزية فتسحبها مرة وجها واحدا ، كغير المستحاضة إذا تغيرت عادتها القديمة مرة واحدة فإنا نحكم بالحالة الناجزة ، قال الرافعي : هذا الجواب لا يشفي القلب .

                                      ( الإشكال الثاني ) : إذا أفاد التمييز عادة المستحاضة ، ثم تغير قدر القوي بعد انخرام التمييز أو قبله وجب ألا يخرم بالرد إليه ، بل يخرج على الخلاف في اجتماع العادة والتمييز ، ولم يزد إمام الحرمين في هذا على دعوى اختصاص الخلاف بالعادة الجارية من غير استحاضة ، وهذا الذي نقله الإمام والغزالي والرافعي من الاتفاق على ثبوت العادة التمييزية بمرة غير مقبول ، بل الخلاف في مشهور وممن صرح بأنه على الخلاف القاضي أبو الطيب والمحاملي والسرخسي في الأمالي والشيخ نصر المقدسي وصاحب البيان وآخرون قال هؤلاء : إذا رأت المبتدأة دما أحمر واستمر شهرا ثم رأت في الشهر الثاني خمسة سوادا ثم باقيه حمرة ثم رأت في الثالث دما مبهما وأطبق ففي الشهر الأول هي مبتدأة إذ لا تمييز لها وفي مردها القولان وفي الشهر [ ص: 446 ] الثاني مميزة ترد إلى التمييز ، وفي الثالث إن قلنا : تثبت العادة بمرة فحيضها خمسة أيام .

                                      وإن قلنا : لا تثبت بمرة كانت كمبتدأة لا تمييز لها ، هكذا قطع به هؤلاء إلا القاضي أبا الطيب ، فقال : إن قلنا : لا تثبت العادة بمرة فإن قلنا : ترد في الشهر الأول إلى يوم وليلة ردت إليها في الثالث لتكررهما في الشهرين ، وإن قلنا : ترد إلى ست أو سبع ردت في الثالث إلى الخمسة لتكررهما في الشهرين قال : ولو رأت المبتدأة خمسة سوادا ، ثم باقي الشهر حمرة ثم أطبق الدم المبهم في الشهر الثاني فهل ترد إلى الخمسة وتحصل العادة بمرة أم لا ؟ فيه الخلاف والأصح ردها إلى الخمسة والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية