الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا تصلي بطهارة أكثر من فريضة لحديث فاطمة بنت أبي حبيش ويجوز أن تصلي ما شاءت من النوافل لأن النوافل تكثر فلو ألزمناها أن تتوضأ لكل نافلة شق عليها ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) مذهبنا أنها لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة مؤداة كانت أو مقضية ، وأما المنذورة ففيها الخلاف السابق في باب التيمم . [ ص: 553 ] واحتج المصنف والأصحاب بحديث فاطمة المذكور وهو ضعيف باتفاق الحفاظ كما ذكرناه ، قالوا : ولا يصح ذكر الوضوء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام عروة بن الزبير ، وإذا بطل الاحتجاج به تعين الاحتجاج بغيره فيقال : مقتضى الدليل وجوب الطهارة من كل خارج من الفرج خالفنا ذلك في الفريضة الواحدة للضرورة وبقي ما عداها على مقتضاه ، وتستبيح ما شاءت من النوافل بطهارة مفردة ، وتستبيح ما شاءت منها بطهارة الفريضة قبل الفريضة وبعدها لما ذكره المصنف . وقد حكى القاضي حسين وغيره في استباحتها النافلة وجهين بناء على القولين في صحة استباحة المعضوب والميت في حج التطوع ، وحكوا مثلهما وجهين في استباحة النافلة بالتيمم ، والمذهب الجواز في كل ذلك . وقد سبق بيان ذلك كله في باب التيمم هذا بيان مذهبنا ، وممن قال إنه لا يصح بوضوئها أكثر من فريضة عروة بن الزبير وسفيان الثوري وأبو ثور . وقال أبو حنيفة : طهارتها مقدرة بالوقت فتصلي ما شاءت من الفرائض الفائتة في الوقت فإذا خرج بطلت طهارتها . وقال ربيعة ومالك وداود : دم الاستحاضة ليس بحدث فإذا تطهرت صلت ما شاءت من الفرائض والنوافل إلى أن تحدث بغير الاستحاضة . واحتج من جوز فرائض بحديث رواه : " { المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة } " وهذا حديث باطل لا يعرف ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) مذهبنا أن طهارة المستحاضة الوضوء ولا يجب عليها الغسل لشيء من الصلوات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها ، وبهذا قال جمهور السلف والخلف وهو مروي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو حنيفة ومالك وأحمد . وروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح رضي الله عنهم أنهم قالوا : يجب عليها الغسل لكل صلاة ، وروي هذا أيضا عن علي وابن عباس وروي عن عائشة أنها قالت : تغتسل كل يوم غسلا واحدا وعن ابن المسيب والحسن أنهما قالا : تغتسل من صلاة الظهر إلى الظهر دائما ، ودليلنا أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع به ، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع الحيض ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : { إذا أقبلت الحيضة [ ص: 554 ] فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي } " وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة فليس فيها شيء ثابت ، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها ، وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " { إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي } " فكانت تغتسل عند كل صلاة . قال الشافعي رضي الله عنه : إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال : ولا أشك أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها ، هذا لفظ الشافعي رحمه الله وكذا قاله شيخه سفيان بن عيينة ، والليث بن سعد وغيرهما ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) قال صاحب الحاوي والبندنيجي وغيرهما : إذا توضأت المستحاضة ارتفع حدثها السابق ولم يرتفع المستقبل ولا المقارن ولكن تصح صلاتها وطوافها ونحوهما مع قيام الحدث للضرورة كالمتيمم ، ونقل المحاملي هذا عن ابن سريج ، ونقله صاحب البيان عن أصحابنا العراقيين . وقد سبق في باب مسح الخف أن القفال وغيره من الخراسانيين قالوا : في ارتفاع حدثها بالوضوء قولان ، وأن إمام الحرمين والشاشي قالا : هذا غلط بل الصواب أنه لا يرتفع ، قالا : ويستحيل ارتفاع حدثها مع مقارنته للطهارة وقالإمام الحرمين هنا قال الأصحاب : لا يرتفع حدثها المستقبل وفي ارتفاع الماضي وجهان والمقارن ليس بحدث ، فحصل في المسألة ثلاثة طرق : ( أشهرها ) : يرتفع حدثها الماضي دون المقارن والمستقبل ، ( والثاني ) في الجميع قولان ، ( والثالث ) وهو الصحيح دليلا : لا يرتفع شيء من حدثها لكن تستبيح الصلاة وغيرها مع الحدث للضرورة ، وفي كيفية نيتها في الوضوء أوجه سبقت في باب نية الوضوء ( أصحها ) : تجب نية استباحة الصلاة ولا تجب نية رفع الحدث ولا تجزئ .

                                      ( والثاني ) يكفيها نية رفع الحدث أو الاستباحة .

                                      ( والثالث ) : يجب الجمع بينهما والله أعلم




                                      الخدمات العلمية