الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وأما الكلب فهو نجس ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { دعي إلى دار فأجاب ودعي إلى دار فلم يجب فقيل له في ذلك ، فقال : إن في دار فلان كلبا ، فقيل له : وفي دار فلان هرة فقال : الهرة ليست بنجسة } فدل على أن الكلب نجس ) .

                                      [ ص: 585 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 585 ] الشرح ) : مذهبنا أن الكلاب كلها نجسة المعلم وغيره الصغير والكبير ، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ، وقال الزهري ومالك وداود : هو طاهر وإنما يجب غسل الإناء من ولوغه تعبدا ، وحكي هذا عن الحسن البصري وعروة بن الزبير واحتج لهم بقول الله تعالى : " { فكلوا مما أمسكن عليكم } ولم يذكر غسل موضع إمساكها ; وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما ما قال : { كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك } ذكره البخاري في صحيحه فقال : وقال أحمد بن شبيب حدثنا أبي إلى آخر الإسناد والمتن ، وأحمد هذا شيخه ، ومثل هذه العبارة محمول على الاتصال وأن البخاري رواه عنه كما هو معروف عند أهل هذا الفن ، وذلك واضح في علوم الحديث . وروى البيهقي وغيره هذا الحديث متصلا وقال فيه : { وكانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك } واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات } رواه مسلم . وعن أبي هريرة أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات [ ص: 586 ] أولاهن بالتراب } رواه مسلم وفي رواية له : { طهر إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبع مرات } والدلالة من الحديث الأول ظاهرة ; لأنه لو لم يكن نجسا لما أمر بإراقته ; لأنه يكون حينئذ إتلاف مال وقد نهينا عن إضاعة المال ، والدلالة من الحديث الثاني ظاهرة أيضا فإن الطهارة تكون من حدث أو نجس وقد تعذر الحمل هنا على طهارة الحدث فتعينت طهارة النجس وأجاب أصحابنا عن احتجاجهم بالآية بأن لنا خلافا معروفا في أنه يجب غسل ما أصابه الكلب أم لا ؟ فإن لم نوجبه فهو معفو للحاجة والمشقة في غسله بخلاف الإناء ، وأما الجواب عن حديث ابن عمر فقال البيهقي مجيبا عنه أجمع المسلمون على نجاسة بول الكلب ووجوب الرش على بول الصبي فالكلب أولى قال : فكان حديث ابن عمر قبل الأمر بالغسل من ولوغ الكلب أو أن بولها خفي مكانه فمن تيقنه لزمه غسله والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية