الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 193 ] باب استقبال القبلة قال المصنف رحمه الله تعالى

                                      ( استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في حالين : في شدة الخوف ، وفي النافلة في السفر ، والأصل فيه قوله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة إلا في الحالين المذكورين على تفصيل يأتي فيهما في موضعهما ، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه من حيث الجملة وإن اختلف في تفصيله . والمراد بالمسجد الحرام هنا الكعبة نفسها . وشطر الشيء يطلق على جهته ونحوه ويطلق على نصفه . والمراد هنا الأول . واعلم أن المسجد الحرام قد يطلق ويراد به الكعبة فقط ، وقد يراد به المسجد حولها معها ، وقد يراد به مكة كلها ، وقد يراد به مكة مع الحرم حولهما بكماله ، وقد جاءت نصوص الشرع بهذه الأقسام الأربعة ، فمن الأول قول الله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام } ومن الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم { : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد } إلى آخره ومن الرابع قوله تعالى : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام } وأما الثالث وهو مكة فقال المفسرون : هو المراد بقوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } وكان الإسراء من دور مكة . وقول الله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } قيل : مكة ، وقيل : الحرم ، وهما وجهان لأصحابنا سنوضحهما في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ، وقول الله تعالى { : والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد } هو عند الشافعي ومن وافقه المسجد حول الكعبة [ ص: 194 ] مع الكعبة فلا يجوز بيعه ولا إجارته ، والناس فيه سواء . وأما دور مكة وسائر بقاعها فيجوز بيعها وإجارتها . وحمله أبو حنيفة ومن وافقه على جميع الحرم فلم يجوزوا بيع شيء منه ولا إجارته وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى مبسوطة حيث ذكرها المصنف في باب ما يجوز بيعه ، فهذا مختصر ما يتعلق بالمسجد ، وقد بسطته في تهذيب الأسماء واللغات والله أعلم .



                                      ( فرع ) في بيان أصل استقبال الكعبة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت } رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس ، والكعبة ، بين يديه وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة } رواه أحمد بن حنبل في مسنده . قال أهل اللغة : أصل القبلة الجهة ، وسميت الكعبة قبلة ; لأن المصلي يقابلها وتقابله .




                                      الخدمات العلمية