الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما النافلة فينظر فيها فإن كان في السفر وهو على دابته نظرت فإن كان يمكنه أن يدور على ظهرها كالعمارية والمحمل الواسع لزمه أن يتوجه إلى القبلة ; لأنها كالسفينة ، وإن لم يمكنه ذلك جاز أن يترك القبلة ويصلي عليها حيث توجه لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به } ويجوز ذلك في [ ص: 213 ] السفر الطويل والقصير ; لأنه أجيز حتى لا ينقطع عن السير وهذا موجود في القصير والطويل ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم ، وفي الصحيحين أيضا عن جماعات من الصحابة مثله ونحوه ، والمحمل بفتح الميم الأولى وكسر الثانية ، وقيل : بكسر الأولى وفتح الثانية لغتان ، وقد أوضحته في التهذيب ، والعمارية ضبطها جماعة من الفقهاء الذين تكلموا في ألفاظ المهذب بتشديد الميم والياء ، وضبطها غيرهم بتخفيف الميم وهو الأجود ، وقد أوضحتها في التهذيب وهو مركب صغير على هيئة مهد الصبي أو قريب من صورته .

                                      ( أما حكم المسألة ) فإذا أراد الراكب في السفر نافلة نظر إن أمكنه أن يدور على ظهر الدابة ويستقبل القبلة ، فإن كان في محمل أو عمارية أو هودج ونحوها ففيه طريقان ( المذهب ) أنه يلزمه استقبال القبلة وإتمام الركوع والسجود ، ولا يجزيه الإيماء ; لأنه متمكن منها ، فأشبه راكب السفينة ، وبهذا الطريق قطع المصنف والجمهور :

                                      ( والثاني ) على وجهين ، أحدهما هذا ، والثاني : يجوز له ترك القبلة والإيماء بالأركان كالراكب على سرج ; لأن عليه مشقة في ذلك بخلاف السفينة . وممن ذكر هذين الوجهين صاحب الحاوي والدارمي ونقل الرافعي الجواز عن نص الشافعي وهو غريب ، والصحيح الأول . قال القاضي أبو الطيب سواء كانت الدابة مقطورة أو مفردة يلزمه الاستقبال أما الراكب في سفينة فيلزمه الاستقبال وإتمام الأركان سواء كانت واقعة أو سائرة ; لأنه لا مشقة فيه ، وهذا متفق عليه . هذا في حق ركابها الأجانب أما ملاحها الذي يسيرها فقال صاحب الحاوي وأبو المكارم يجوز له ترك القبلة في نوافله في حال تسييره .

                                      قال صاحب الحاوي : ; لأنه إذا جاز للماشي ترك القبلة لئلا ينقطع عن سيره ، فلأن يجوز للملاح الذي ينقطع هو وغيره أولى ، وأما راكب الدابة من بعير وفرس وحمار وغيرها إذا لم يمكنه أن يدور على ظهرها بأن ركب على سرج وقتب ونحوهما فله أن يتنقل إلى أي جهة توجه لما سبق من الأدلة ، وهذا مجمع [ ص: 214 ] عليه ، ولأنه لو لم يجز التنفل في السفر إلى غير القبلة لانقطع بعض الناس عن أسفارهم لرغبتهم في المحافظة على العبادة ، وانقطع بعضهم عن التنفل لرغبتهم في السفر وحكى القاضي حسين عن القفال أنه سأل الشيخ أبا زيد فعلل بالعلة الأولى ، وسأل الشيخ أبا عبد الله الخضري فعلل بالثانية ، والتعليل الذي ذكرته أحسن . وهذا معنى قول الغزالي في البسيط : لكي لا ينقطع المتعبد عن السفر والمسافر عن التنفل ، وهذا التنفل على الراحلة من غير استقبال جائز في السفر الطويل والقصير وهذا هو المشهور من نص الشافعي نص عليه في الأم والمختصر . وقال في البويطي : وقد قيل لا يتنفل أحد على ظهر دابته إلا في سفر تقصر فيه الصلاة ، فجعل الخراسانيون ذلك قولا آخر للشافعي فجعلوا في المسألة قولين : أحدهما : يختص بالسفر الطويل وهو مذهب مالك وأصحهما لا يختص ، قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين بأنه يجوز في القصير . قالوا وقوله في البويطي حكاية لمذهب مالك لا قول له ، وعبارته ظاهرة في الحكاية ، فحصل في المسألة طريقان ، المذهب أنه يجوز في القصير لإطلاق الأحاديث ، وفرقوا بينه وبين القصر والفطر والمسح على الخف ثلاثا بأن تلك الرخص تتعلق بالفرض فاحتطنا له باشتراط طويل السفر ، والتنفل مبني على التخفيف ، ولهذا جاز قاعدا في الحضر مع القدرة على القيام ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية