الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن كبر بالفارسية وهو يحسن بالعربية لم يجزئه لقوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } وإن لم يحسن العربية وضاق الوقت عن أن يتعلم كبر بلسانه ; لأنه عجز عن اللفظ فأتى بمعناه ، وإن اتسع الوقت لزمه أن يتعلم فإن لم يتعلم وكبر بلسانه بطلت صلاته ; لأنه ترك اللفظ مع القدرة عليه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث رواه البخاري كما سبق بيانه قريبا ، وإذا كبر بغير العربية وهو يحسنها لم تصح صلاته عندنا بلا خلاف فإن عجز عن كلمة التكبير أو بعضها فله حالان :

                                      ( أحدهما ) أن لا يمكنه كسب القدرة بأن كان به خرس ونحوه وجب أن يحرك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر إمكانه ، وإن كان ناطقا لا يطاوعه لسانه لزمه أن يأتي بترجمة التكبير ولا يجزيه العدول إلى ذكر آخر ، ثم جميع اللغات في الترجمة سواء فيتخير بينها ، هكذا قطع به الأكثرون منهم الشيخ أبو حامد والبندنيجي وفيه وجه ضعيف : إن أحسن السريانية أو العبرانية تعينت لشرفها بإنزال الكتاب بها وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية .

                                      وقال صاحب الحاوي : إذا لم يحسن العربية وأحسن الفارسية والسريانية ففيه ثلاثة أوجه :

                                      ( أحدها ) يكبر بالفارسية ; لأنها أقرب اللغات إلى [ ص: 255 ] العربية :

                                      ( والثاني ) بالسريانية ; لأن الله تعالى أنزل بها كتابا ولم ينزل بالفارسية ، ( والثالث ) يتخير بينهما قال : فإن كان يحسن التركية والفارسية فهل تتعين الفارسية أم يتخير ؟ فيه وجهان ولو كان يحسن النبطية والسريانية فهل تتعين السريانية أم يتخير ؟ فيه وجهان فإن كان يحسن التركية والهندية تخير بلا خلاف .

                                      ( الحال الثاني ) أن يمكنه القدرة بتعلم أو نظر في موضع كتب عليه لفظ التكبير فيلزمه ذلك ; لأنه قادر ، ولو كان ببادية أو موضع لا يجد فيه من يعلمه التكبير لزمه المسير إلى قرية يتعلم بها على الصحيح ، وفيه وجه أنه لا يلزمه ، بل يجزيه الترجمة كما لا يلزمه المسير إلى قرية الوضوء بل له التيمم ، وبهذا قطع صاحب الحاوي . والمذهب الأول ، وصححه إمام الحرمين والغزالي وآخرون ; لأن نفع تعلم التكبير يدوم . ونقل الإمام الوجهين في المسير لتعلم الفاتحة والتكبير ، وقال : عدم الوجوب ضعيف ولا تجوز الترجمة في أول الوقت لمن أمكنه التعلم في آخره ، فإن لم يجد من يعلمه العربية ترجم ، ومتى أمكنه التعلم وجب ، وإذا صلى بالترجمة في الحال الأول فلا إعادة ، وأما في الحال الثاني فإن ضاق الوقت عن التعلم لبلادة ذهنه أو قلة ما أدركه من الوقت فلا إعادة أيضا ، وإن أخر التعلم مع التمكن وضاق الوقت صلى بالترجمة ، ولزمه الإعادة على الصحيح لتقصيره ، وفيه وجه أنه لا إعادة وهو غريب وغلط .




                                      الخدمات العلمية