الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويفرج بين رجليه لما روي { أن أبا حميد وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إذا سجد فرج بين رجليه } ويوجه أصابعه نحو القبلة لما روت عائشة : رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع أصابعه تجاه القبلة } ، وروى أبو قتادة : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتخ أصابع رجليه } والفتخ : تعويج الأصابع ، ويضم أصابع يده ويضعها حذو منكبيه ، لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد ضم أصابعه وجعل يديه حذو منكبيه } ويرفع مرفقيه ويعتمد على راحتيه ، لما روى البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا سجدت فضم يديك وارفع مرفقيك . } )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي حميد رواه أبو داود والبيهقي من رواية بقية بن الوليد عن عتبة بن أبي حكيم ، وهما مختلف في توثيقهما وجرحهما ولفظه : { إذا سجد فرج بين فخذيه } وأما حديث عائشة فغريب ، ويغني عنه حديث أبي حميد : { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة } رواه البخاري ، وقد سبق الحديث بطوله في فصل الركوع ، وسبق في رواية أبي داود والترمذي قال : وفتخ أصابع رجليه ، والفتخ بالخاء [ ص: 407 ] المعجمة ومعناه عطفها إلى القبلة . وأما حديث وائل فرواه البيهقي عن وائل قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع فرج أصابعه وإذا سجد ضم أصابعه } وفي صحيح مسلم { عن وائل : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فلما سجد سجد بين كفيه } ، وأما حديث البراء فرواه مسلم في صحيحه ولفظه عن البراء قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك } وروى البيهقي بإسناده عن البراء قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد فوضع يديه بالأرض استقبل بكفيه وأصابعه القبلة } وفي رواية له : { وإذا سجد وجه أصابعه قبل القبلة فتفاج } وبإسناده عن ابن عمر قال : " يكره أن لا يميل بكفيه إلى القبلة إذا سجد " وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } رواه البخاري ومسلم ، وعن عائشة : رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع } رواه مسلم في جملة حديث طويل .

                                      قال الشافعي والأصحاب : يستحب للساجد أن يفرج بين ركبتيه وبين قدميه . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال أصحابنا : يكون بين قدميه قدر شبر ، والسنة أن ينصب قدميه وأن يكون أصابع رجليه موجهة إلى القبلة ، وإنما يحصل توجيهها بالتحامل عليها والاعتماد على بطونها ، وقال إمام الحرمين : ظاهر النص أنه يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض في السجود .

                                      ونقل المزني أنه يستقبل بها القبلة ، وهذا يتضمن أن يتحامل عليها ويوجه رءوسها إلى القبلة . قال : والذي صححه الأئمة أنه لا يفعل ذلك ، بل يضع أصابع رجليه من غير تحامل عليها . هذا كلام إمام الحرمين وتابعه عليه الغزالي في البسيط ومحمد بن يحيى في [ ص: 408 ] المحيط ، وهو شاذ مردود مخالف للأحاديث الصحيحة السابقة ولنص الشافعي ولما قطع به الأصحاب : أنه يستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، والسنة أن يضم أصابع يديه ويبسطها إلى جهة القبلة ويضع كفيه حذو منكبيه ويعتمد على راحتيه ويرفع ذراعيه ، ويكره بسطهما وافتراشهما ، وقد سبق دليل ذلك كله .



                                      ( فرع ) قال صاحب التتمة : إذا كان يصلي وحده وطول السجود ولحقه مشقة بالاعتماد على كفيه وضع ساعديه على ركبتيه ، لحديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم فقال : { استعينوا بالركب } ، رواه أبو داود والترمذي والبيهقي ، وروي مرسلا عن سمي عن النعمان بن أبي عياش تابعي قال : " شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره " قال البيهقي ، قال البخاري : إرساله أصح من وصله ، وقال الترمذي : كأن رواية الإرسال أصح .




                                      الخدمات العلمية