الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن السنن الراتبة صلاة الضحى وأفضلها ثماني ركعات لما روت أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثماني ركعات } وأقلها ركعتان لما روى أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 529 ] قال : { يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يصليها من الضحى } ووقتها إذا أشرقت الشمس إلى الزوال ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أم هانئ رواه البخاري ومسلم ، وحديث أبي ذر رواه مسلم واسم أم هانئ فاختة وقيل هند ، وقيل فاطمة ، أسلمت يوم الفتح وكنيت بابنها هانئ الحرة واسم أبي طالب عبد مناف واسم أبي ذر رضي الله عنه جندب ، وقيل بربر - بضم الموحدة وتكرير الراء - وهو من السابقين إلى الإسلام ومناقبه في الصحيحين وغيرهما مشهورة ، قيل : كان رابع من أسلم ، وقيل : خامس : وهو كناني غفاري ، توفي في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين بالربذة وقوله صلى الله عليه وسلم : " على كل سلامى " هو بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وهو المفصل وجمعه سلاميات ، بضم السين وفتح الميم وتخفيف الياء وهي المفاصل . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل } وقوله : إذا أشرقت الشمس ، هكذا هو في النسخ أشرقت بالألف ، ومعناه أضاءت وارتفعت ومنه قوله تعالى : ( { وأشرقت الأرض } ) . قال أهل اللغة : يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت ، وشرقت طلعت .

                                      ( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : صلاة الضحى سنة مؤكدة وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات ، هكذا قاله المصنف والأكثرون . وقال الروياني والرافعي وغيرهما : أكثرها اثنتي عشرة ركعة ، وفيه حديث فيه ضعف سنذكره إن شاء الله تعالى . وأدنى الكمال أربع وأفضل منه ست . قال أصحابنا : ويسلم من كل ركعتين من الضحى



                                      ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال قال صاحب الحاوي : وقتها المختار إذا مضى ربع النهار لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الأوابين حين ترمض الفصال } رواه مسلم ، ترمض بفتح التاء والميم ، [ ص: 530 ] والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته من الشمس ، أي حين يبول الفصلان من شدة الحر في أخفافها .



                                      ( فرع ) في مختصر من الأحاديث الواردة في صلاة الضحى ، وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بعض الأوقات ويتركها في بعضها مخافة أن يعتقد الناس وجوبها أو خشية أن يفرض عليهم ، كما ترك المواظبة على التراويح لهذا المعنى . فمن الأحاديث حديث أبي ذر وأم هانئ وهما صحيحان كما سبق بيانهما . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد } رواه البخاري ومسلم وعن أبي الدرداء نحوه رواه مسلم ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { من حافظ على شفعة الضحى غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر } رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله } رواه مسلم من طرق كثيرة في بعضها : " ويزيد ما شاء الله " وفي بعضها : " ويزيد ما شاء " وعن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها { أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا ، إلا أن يجيء من مغيبه } رواه مسلم وعنها قالت : { ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى وإني لأسبحها } رواه البخاري . وعنها قالت : { ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم } رواه مسلم قال العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث : " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يداوم على صلاة الضحى مخافة أن يفرض على الأمة فيعجزوا عنها ، كما ثبت في هذا الحديث وكان يفعلها في بعض الأوقات كما صرحت به عائشة في الأحاديث السابقة ، وكما ذكرته أم هانئ وأوصى بها أبا الدرداء وأبا هريرة " . وقول عائشة ( ما رأيته صلاها ) لا يخالف قولها ( كان يصليها ) ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يكون عندها في وقت الضحى [ ص: 531 ] إلا في نادر من الأوقات ، لأنه صلى الله عليه وسلم في وقت يكون مسافرا وفي وقت يكون حاضرا ، وقد يكون في الحضر في المسجد وغيره ، وإذا كان في بيت فله تسع نسوة ، وكان يقسم لهن . فلو اعتبرت ما ذكرناه لما صادف وقت الضحى عند عائشة إلا في نادر من الأوقات وما رأته صلاها في تلك الأوقات النادرة ، فقالت : ( ما رأيته ) وعلمت بغير رؤية أنه كان يصليها بإخباره صلى الله عليه وسلم أو بإخبار غيره ، فروت ذلك ، فلا منافاة بينهما ، ولكن .

                                      وعن أم هانئ { أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين } رواه أبو داود بهذا اللفظ بإسناد صحيح على شرط البخاري ، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين ، وإن صليتها أربعا كتبت من المحسنين ، وإن صليتها ستا كتبت من القانتين وإن صليتها ثمانيا كتبت من الفائزين وإن صليتها عشرا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب وإن صليتها ثنتي عشرة ركعة بنى الله لك بيتا في الجنة } رواه البيهقي وضعفه فقال : في إسناده نظر ، وعن نعيم بن عمار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { يقول الله تعالى : ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره } رواه أبو داود بإسناد صحيح والله أعلم . .



                                      ( فرع ) قد ذكر المصنف أن صلاة الضحى من السنن الراتبة ، وأنكر عليه صاحب البيان فقال : لم يذكر أكثر أصحابنا الضحى من الرواتب بل هي سنة مستقلة ( قلت ) والأمر في هذا قريب وتسمية المصنف لها راتبة صحيحة ومراده أنها راتبة في وقت مضبوط لا أنها راتبة مع فرض كسنة الظهر وغيرها ، وهذا الذي ذكرناه من كون الضحى سنة هو مذهبنا ومذهب جمهور السلف ، وبه قال الفقهاء المتأخرون كافة ، وثبت عن ابن عمر أنه يراها بدعة ، وعن ابن مسعود نحوه ، دليلنا الأحاديث المذكورة ويتأول قوله : بدعة على أنه لم يبلغه الأحاديث المذكورة أو أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم [ ص: 532 ] عليها أو أن الجهارة في المساجد ونحوها بدعة ، وإنما سنة النافلة في البيت ، وقد بسطت جوابه في شرح صحيح مسلم رحمه الله تعالى




                                      الخدمات العلمية