الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإن أحدث الإمام واستخلف ففيه قولان : قال في القديم : لا يجوز ; لأن المستخلف كان لا يجهر ، ولا يقرأ السورة ، ولا يسجد للسهو ، فصار يجهر ويقرأ السورة ، ويسجد للسهو ، وذلك لا يجوز في صلاة واحدة ، وقال في الأم : يجوز ; لما روت عائشة رضي الله عنها قالت { : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي توفي فيه قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فقلت : يا رسول الله إنه رجل أسيف ومتى يقم مقامك يبك ، فلا يستطيع ، فمر عمر فليصل بالناس فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقلت : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف ومتى يقم مقامك يبك فلا يستطيع فمر عليا فليصل بالناس : قال : إنكن لأنتن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج فلما رآه أبو بكر ذهب ليستأخر ، فأومأ إليه بيده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلى جنبه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير } .

                                      فإن استخلف من لم يكن معه في الصلاة فإن كان في الركعة الأولى أو الثالثة جاز على قوله في الأم .

                                      وإن كان في الركعة الثانية أو الرابعة لم يجز ; لأنه لا يوافق ترتيب الأول فيشوش ; وإن سلم الإمام وبقي على بعض المأمومين بعض الصلاة فقدموا من يتم بهم ففيه وجهان : ( أحدهما ) : يجوز كما يجوز في الصلاة ( والثاني ) : لا يجوز ; لأن الجماعة الأولى قد تمت فلا حاجة إلى الاستخلاف )

                                      التالي السابق


                                      . ( الشرح ) حديث عائشة في استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وخروجه وتأخر أبي بكر ، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس رواه البخاري ومسلم .

                                      ( قولها ) : أبو بكر رجل أسيف أي حزين قوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 138 ] لأنتن صواحب يوسف ) أي في تظاهرهن على ما يردن ، وإلحاحهن فيه ، كتظاهر امرأة العزيز ونسوتها على صرف يوسف ( ص ) عن رأيه في الاعتصام ، فحماه الله الكريم منهن .

                                      والمشهور في أكثر روايات الحديث صواحب وفي المهذب صواحبات والأول أحرى على اللغة ( وقوله ) في المهذب فمر عليا فليصل بالناس ، ليس لعلي ذكر في هذا الموضع في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث المشهورة ، ووقع في المهذب ( يبكي ) ، ولا يستطيع في الموضعين .

                                      وفي الصحيح زيادة فلا يستطيع أن يصلي بالناس ، وفي بعض روايات الصحيح : لا يسمع الناس ، وفي بعضها : لا يقدر على القراءة قوله : فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة هي بكسر الخاء أي نشاطا وقوة ، وقول المصنف ( فيشوش ) هذه اللفظة معدودة عند جماهير أهل اللغة في لحن العوام ، قالوا : وصوابه فيهوس ، ومعناه يخلط ، وغلط أهل المعرفة الليث والجوهري في تجويزهما التشويش ، قال ابن الجواليقي في كتابه لحن العوام : أجمع أهل اللغة على أن التشويش لا أصل له في العربية ، وأنه من كلام المولدين وخطئوا الليث فيه .

                                      ( أما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا : إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدث تعمده أو سبقه أو نسيه أو بسبب آخر ، أو بلا سبب ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران ( الصحيح ) الجديد : جوازه للحديث الصحيح ( والقديم ) والإملاء : منعه ، وقد ثبت في الصحيحين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر رضي الله عنه مرتين ، مرة في مرضه ، ومرة حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف وصلى أبو بكر بالناس فحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء الصلاة فاستأخر أبو بكر واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم } ومن أصحابنا من قطع بالجواز ، وقال : إنما القولان في الاستخلاف في الجمعة خاصة ، وهذا أقوى في الدليل ، ولكن المشهور في المذهب طرد القولين في جميع الصلوات فرضها ونفلها .

                                      قال أصحابنا : فإن منعنا الاستخلاف أتم المأمومون صلاتهم فرادى ، وإن جوزناه فيشترط كون الخليفة صالحا لإمامة هؤلاء المصلين ، فلو استخلف لإمامة الرجال امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم إلا أن يقتدوا بها ، [ ص: 139 ] وكذا لو استخلف أميا أو أخرس أو أرت ، وقلنا بالصحيح : إنه لا تصح إمامتهم .

                                      قال إمام الحرمين : ويشترط الاستخلاف على قرب ، فلو فعلوا في الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده ، وأما صفة الخليفة فإن استخلف مأموما يصلي تلك الصلاة أو مثلها في عدد الركعات صح بالاتفاق .

                                      وسواء كان مسبوقا أم غيره وسواء استخلفه في الركعة الأولى أو غيرها ; لأنه ملتزم لترتيب الإمام باقتدائه فلا يؤدي إلى المخالفة ، فإن استخلف أجنبيا فثلاثة أوجه : ( الصحيح ) الذي قطع به المصنف والجمهور : أنه إن استخلف في الركعة الأولى أو الثالثة من رباعية جاز ; لأنه لا يخالفهم في الترتيب ، وإن استخلفه في الثانية أو الأخيرة لم يجز ; لأنه مأمور بالقيام غير ملتزم لترتيب الإمام ، وهم مأمورون بالقعود على ترتيب الإمام فيقع الاختلاف ( والوجه الثاني ) : وهو قول الشيخ أبي حامد : إن استخلفه في الأولى جاز ، وإن استخلفه في غيرها لم يجز ; لأنه إذا استخلفه في الثالثة خالفه في الهيئات فيجهر ، وكان ترتيبا غير ملتزم لترتيب الإمام ( والوجه الثالث ) : وبه قطع جماعة منهم إمام الحرمين : أنه لا يجوز استخلاف غير مأموم مطلقا ، قال إمام الحرمين : فلو قدم الإمام أجنبيا لم يكن خليفة ، بل هو عاقد لنفسه صلاة ، فإن اقتدى به المأمومون فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة ، وقد سبق الخلاف فيه في هذا الباب ; لأن قدوتهم انقطعت بخروج الإمام ، والمذهب الأول .



                                      قال أصحابنا : وإذا استخلف مأموما مسبوقا لزمه مراعاة ترتيب الإمام فيقعد موضع قعوده ، ويقوم موضع قيامه ، كما كان يفعل لو لم يخرج الإمام من الصلاة فلو اقتدى المسبوق في ثانية الصبح ثم أحدث الإمام فيها فاستخلفه فيها قنت وقعد عقبها وتشهد ، ثم يقنت في الثانية لنفسه ، ولو كان الإمام قد سها قبل اقتدائه أو بعده سجد في آخر صلاة الإمام ، وأعاد في آخر صلاة نفسه على أصح القولين كما سبق .

                                      وإذا تمت صلاة الإمام قام لتدارك ما عليه ، والمأمومون بالخيار إن شاءوا فارقوه وسلموا وتصح صلاتهم بلا خلاف للضرورة ، وإن شاءوا صبروا جلوسا ليسلموا معه هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الإمام [ ص: 140 ] وما بقي منها ، فإن لم يعرف فقولان حكاهما صاحب التلخيص وآخرون وهما مشهوران ، لكن قال الشيخ أبو علي السنجي وغيره : ليس هما منصوصين للشافعي ، بل خرجهما ابن سريج ، وقيل هما وجهان : أقيسهما : لا يجوز ، وقال الشيخ أبو علي ( أصحهما ) الجواز ، ونقل ابن المنذر عن الشافعي الجواز ولم يذكر غيره .

                                      قال أصحابنا : فعلى هذا يراقب الخليفة المأمومين إذا أتم الركعة ، فإن هموا بالقيام قام وإلا قعد ، قال البغوي : ولا يمنع قبول غيره وإشارته من استخلافه كما لو أخبره الإمام أن الباقي من الصلاة كذا فإنه يجوز اعتماده للخليفة بالاتفاق



                                      قال أصحابنا : وسهو الخليفة قبل حدث الإمام يحمله الإمام فلا يسجد له أحد ، وسهوه بعد الاستخلاف يقتضي سجوده وسجودهم ، وسهو القوم قبل حدث الإمام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول ، بل يسجد الساهي بعد سلام الخليفة



                                      ولو أحرم بالظهر خلف مصلي الصبح فأحدث الإمام واستخلفه قنت في الثانية ; لأنه محل قنوت الإمام فلا يقنت في آخر صلاته



                                      ولو أحرم بالصبح خلف [ مصلي ] الظهر فأحدث الإمام وحده لم يقنت في آخر صلاته ، هكذا نقلهما البغوي ، ثم قال : ويحتمل أن يقال يقنت في المسألة الأخيرة دون الأولى ،



                                      وفي اشتراط نية القدوة بالخليفة في الجمعة وغيرها وجهان : حكاهما البغوي وآخرون ( أصحهما ) وأشهرهما : لا يشترط ; ; لأن الخليفة قائم مقام الأول ; وقد سبقت نية الاقتداء ( والثاني ) : يشترط ; لأنهم بحدث الأول صاروا منفردين ، ولهذا لحقهم سهو أنفسهم بين الحدث والاستخلاف قال أصحابنا : وإذا لم يستخلف الإمام قدم القوم واحدا بالإشارة ، ولو تقدم واحد بنفسه جاز ، وتقديم القوم أولى من استخلاف الإمام ; لأنهم المصلون .

                                      قال إمام الحرمين : ولو قدم الإمام واحدا والقوم آخر فأظهر الاحتمالين : أن تقديم القوم أولى ، قال البغوي وغيره : ويجوز استخلاف اثنين وثلاثة وأربعة وأكثر يصلي كل واحد منهم بطائفة في غير [ ص: 141 ] الجمعة ، ولكن الأولى الاقتصار على واحد وحكى ابن المنذر جوازه عن الشافعي ومنعه عن أبي حنيفة .

                                      قال البغوي وغيره : وإذا تقدم خليفة فمن شاء تابعه ومن شاء أتم منفردا .

                                      قال البغوي وغيره : فلو تقدم الخليفة فسبقه حدث ونحوه جاز لثالث أن يتقدم ، فإن سبقه حدث ونحوه فلرابع وأكثر ، وعلى جميعهم ترتيب صلاة الإمام الأصلي ، ويشترط فيهم ما شرط في الخليفة الأول ، ولو توضأ الإمام ، وعاد واقتدى بخليفة ثم أحدث الخليفة فتقدم الإمام الأول جاز ، هذا مختصر ما يتعلق بالاستخلاف في غير الجمعة أما الاستخلاف في الجمعة فقد ذكره المصنف في بابها ، وهناك يشرح إن شاء الله - تعالى



                                      ( فرع ) إذا سلم الإمام - وفي المأمومين مسبوقون فقاموا لإتمام صلاتهم فقدموا من يتممها بهم واقتدوا به ففي جوازه وجهان : حكاهما المصنف والبندنيجي والشيخ أبو حامد والمحاملي والجرجاني وآخرون من العراقيين ، أصحهما الجواز قال الشيخ أبو حامد والمحاملي في التجريد : وهو قول أبي إسحاق قياسا على الاستخلاف ، قالا : والوجهان : مفرعان على جواز الاستخلاف ، فإن منعناه لم يجز هذا وجها واحدا ، وما ذكرته من تصحيح الجواز فاعتمده ، ولا تغتر بما في الانتصار لأبي سعيد بن عصرون من تصحيح المنع ، وكأنه اغتر بقول الشيخ أبي حامد في تعليقه : لعل الأصح المنع والله أعلم .

                                      فلو كان هذا في الجمعة لم يجز للمسبوقين الاقتداء فيما بقي عليهم وجها واحدا ; لأنه لا تجوز جمعة بعد جمعة بخلاف غيرها .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الاستخلاف قد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا جوازه .

                                      قال البغوي : وهو قول أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلي ، وعلقمة وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي وأحمد ، ولم يصرح ابن المنذر بحكاية منع الاستخلاف عن أحد




                                      الخدمات العلمية