الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويكره أن يصلي الرجل بامرأة أجنبية ; لما روي أن النبي قال : { لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) المراد بالكراهة كراهة تحريم ، هذا إذا خلا بها .

                                      قال أصحابنا : إذا أم الرجل بامرأته أو محرم له ، وخلا بها جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة ، وإن أم بأجنبية وخلا بها حرم ذلك عليه وعليها ، للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله - تعالى ، وإن أم بأجنبيات وخلا بهن فطريقان : قطع الجمهور بالجواز ، ونقله الرافعي في كتاب العدد عن أصحابنا .

                                      ودليله الحديث الذي سأذكره إن شاء الله - تعالى ، ولأن النساء المجتمعات لا يتمكن في الغالب الرجل من مفسدة ببعضهن في حضرتهن .

                                      وحكى القاضي أبو الفتوح في كتابه في الخناثى فيه وجهين : .

                                      وحكاهما صاحب البيان عنه ( أحدهما ) : يجوز ( والثاني ) : لا يجوز خوفا من مفسدة ونقل إمام الحرمين وصاحب العدة في أول كتاب الحج في مسائل استطاعة الحج أن الشافعي نص على أنه يحرم أن يصلي الرجل بنساء منفردات إلا أن يكون فيهن محرم له أو زوجته ، وقطع بأنه يحرم خلو الرجل بنسوة إلا أن يكون له فيهن محرم ، والمذهب ما سبق ، وإن خلا رجلان أو رجال بامرأة فالمشهور تحريمه ; لأنه قد يقع اتفاق رجال على فاحشة بامرأة وقيل : إن كانوا ممن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز وعليه يتأول حديث ابن عمرو بن العاص الآتي .

                                      [ ص: 174 ] والخنثى مع امرأة كرجل ، ومع نسوة كذلك ومع رجل كامرأة ومع رجال كذلك ، ذكره القاضي أبو الفتوح وصاحب البيان عملا بالاحتياط ، وقياسا على ما قاله الأصحاب في مسألة نظر الخنثى كما سنوضحه في أول كتاب النكاح إن شاء الله تعالى .

                                      وأما الأمرد الحسن فلم أر لأصحابنا كلاما في الخلوة به ; وقياس المذهب : أنه يحرم الخلوة به كما قال المصنف والجمهور ونص عليه الشافعي كما سنوضحه في كتاب النكاح إن شاء الله - تعالى - أنه يحرم النظر إليه ، وإذا حرم النظر فالخلوة أولى فإنها أفحش وأقرب إلى المفسدة ، والمعنى المخوف في المرأة موجود وأما الأحاديث الواردة في المسألة فمنها ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار ، أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت } رواه البخاري ومسلم ، الحمو قرابة الزوج ، والمراد هنا قريب تحل له كأخ الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم وأما أبوه وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة ، وإن كانوا من الأحماء .

                                      وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر { لا يخلون رجل بعد يومي هذا سرا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان } رواه مسلم ، المغيبة - بكسر الغين - التي زوجها غائب ، والمراد هنا غائب عن بيتها ، وإن كان في البلدة .

                                      وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال { كانت فينا امرأة - وفي رواية كانت لنا عجوز - تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير ، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا } رواه البخاري ، فهذا قد يمنع دلالته لهذه المسألة ; لأنه يحتمل أن يكون فيهم محرم لها ، وليس فيه تصريح بالخلوة بها ، والله أعلم .

                                      واعلم أن المحرم الذي يجوز القعود مع الأجنبية مع وجوده يشترط أن يكون ممن يستحى منه فإن كان صغيرا عن ذلك كابن سنتين وثلاث ونحو [ ص: 175 ] ذلك فوجوده كالعدم بلا خلاف ، ولا فرق في تحريم الخلوة بين الصلاة وغيرها كما سبق ، ويستوي فيها الأعمى والبصير ، ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في برية ونحو ذلك فيباح له استصحابها بل يجب عليه ذلك إذا خاف عليها لو تركها ، وهذا لا خلاف فيه ، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك .

                                      واعلم أن المحرم الذي يجوز القعود معها بوجوده يستوي فيه محرمه ومحرمها ، وفي معناه زوجها وزوجته ، والله أعلم




                                      الخدمات العلمية