الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وإذا افتتح الصلاة قائما ثم عجز أتم صلاته .

                                      وإن افتتحها قاعدا ثم قدر على القيام قام وأتم صلاته لأنه يجوز أن يؤدي جميع صلاته قاعدا عند العجز ، وجميعها قائما عند القدرة ، فجاز أن يؤدي بعضها قاعدا عند العجز وبعضها قائما عند القدرة ، وإن افتتح الصلاة قاعدا ثم عجز اضطجع وإن افتتحها مضطجعا ثم قدر على القيام أو القعود قام أو قعد لما ذكرنا ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا عجز في أثناء صلاته المفروضة عن القيام جاز القعود وإن عجز عن القعود جاز الاضطجاع ويبني على ما مضى من صلاته ولو صلى قاعدا للعجز فقدر على القيام في أثنائها وجبت المبادرة بالقيام ويبني ; ولو صلى مضطجعا فأطاق القيام أو القعود في أثنائها وجب المبادرة بالمقدور ويبني ، ثم إن تبدل الحال من الكمال إلى النقص بأن عجز في أثنائها وانتقل إلى الممكن في أثناء الفاتحة وجب إدامة قراءتها في هويه ، وإن تبدل من النقص إلى الكمال بأن قدر القاعد على القيام لخفة المرض وغيرها - فإن كان قبل القراءة - قام وقرأ قائما ; وكذا إن كان في أثناء الفاتحة قام وقرأ بقيتها بعد الانتصاب قائما ، ويجب ترك القراءة حتى ينتصب فإن قرأ في حال [ ص: 208 ] النهوض لم يحسب ، وإن قدر بعد القراءة قبل الركوع لزمه القيام ليهوي منه إلى الركوع ، ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام لأنه ليس مقصودا لنفسه ، ويستحب في هذه الأحوال أن يعيد الفاتحة ليقع في حال الكمال نص عليه واتفقوا عليه .

                                      ولو قدر في حال ركوعه قاعدا - فإن كان قبل الطمأنينة - لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ، ولا يجوز أن يرتفع قائما ثم يركع ، فإن فعله بطلت صلاته .

                                      لأنه زاد قياما ، وإن كان بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه فيجب الاعتدال قائما ثم يسجد ، ولا يجوز الانتقال إلى ركوع القائمين فإن خالف بطلت صلاته لأنه زاد ركوعا ، ولو وجد القدرة في الاعتدال قاعدا - فإن كان قبل الطمأنينة - لزمه أن يقوم ليعتدل ويطمئن ، وإن كان بعدها فوجهان :

                                      ( أحدهما ) : يلزمه أن يقوم ليقع السجود من قيام ( أصحهما ) لا يقوم لئلا يطول الاعتدال وهو ركن قصير فإن اتفق ذلك في الثانية من الصبح قبل القنوت لم يقنت قاعدا ، فإن فعل بطلت صلاته لأنه زاد قعودا في غير موضعه ، وإنما حقه أن يقوم فيقنت قائما والله أعلم .

                                      هذا كله حكم صلاة الفرض ، أما صلاة النافلة قاعدا فقد ذكرها المصنف في أول باب صفة الصلاة وسبق شرحها هناك كاملا وبالله التوفيق .

                                      ( فرع ) قال الشافعي في الأم والشيخ أبو حامد والأصحاب : ولو ركع المصلي فريضة فعرضت له علة منعته الاعتدال سقط عنه الاعتدال فيسجد .

                                      قالوا : فلو زالت العلة قبل دخوله في السجود لزمه العود إلى الاعتدال لتمكنه منه ، وإن زالت بعد تلبسه بالسجود أجزأه ، ولم يجز العود إلى الاعتدال لأنه سقط بالعجز فلو أتى به كان زائدا قياما ، وذلك مبطل للصلاة .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء إذا افتتح الصلاة قائما ثم عجز قعد وبنى عليها بالإجماع ، نقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد وغيره ، وإن افتتحها قاعدا للعجز ثم قدر على القيام قام وبنى عندنا ، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف والجمهور ، وقال محمد : تبطل صلاته وإن افتتحها مضطجعا أو قاعدا ثم قدر في أثنائها على القعود أو القيام لزمه ذلك ويبني على ما صلى ، وهكذا لو [ ص: 209 ] كان يصلي عاريا فاستتر على قرب أو كان المصلي أميا فتلقن الفاتحة فيبني ، وبهذا كله قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة تبطل صلاته ويجب استئنافها .




                                      الخدمات العلمية