الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( والجمعة ركعتان ; لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال " صلاة الأضحى ركعتان " وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة السفر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وقد خاب من افترى ، ولأنه نقل الخلف عن السلف ، والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة الجمعة ، وفي الثانية المنافقين ; لما روى عبد الله بن أبي رافع قال : { استخلف مروان أبا هريرة على المدينة فصلى بالناس الجمعة فقرأ بالجمعة والمنافقين ، فقلت : يا أبا هريرة قرأت بسورتين سمعت عليا رضي الله عنه قرأ بهما ؟ قال : سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما } والسنة أن يجهر فيهما بالقراءة ; لأنه نقل الخلف عن السلف ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عمر رضي الله عنه حديث حسن رواه أحمد بن حنبل في مسنده والنسائي وابن ماجه والبيهقي في سننهم ، وسبق بيانه في باب صلاة المسافر في فرع مذاهب العلماء في القصر والإتمام ، وحديث عبد الله بن أبي رافع رواه مسلم في صحيحه بلفظه ، وعبد الله هذا تابعي ، وأبوه أبو رافع صحابي ، وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أسلم ، ويقال : إبراهيم ، ويقال : ثابت ، ويقال : هرمز وقوله : حبي - بكسر الحاء المهملة والباء الموحدة - أي محبوبي .

                                      ( أما الأحكام ) فأجمعت الأمة على أن الجمعة ركعتان ، وعلى أنه يسن الجهر فيهما وتسن القراءة فيها بالسورتين المذكورتين بكمالهما ، نص عليه الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب ، ونص الشافعي في القديم على أنه يستحب أن يقرأ في الأولى { سبح اسم ربك } ، وفي الثانية { هل أتاك حديث الغاشية } .

                                      وقال الربيع - وهو راوي كتب الشافعي الجديدة : سألت الشافعي عن ذلك فذكر أنه يختار الجمعة والمنافقين ، ولو قرأ سبح وهل أتاك كان حسنا .

                                      وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الجمعة بسبح ، هل أتاك أيضا ، والصواب هاتان سنة وهاتان سنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 403 ] يقرأ بهاتين تارة وبهاتين تارة ، والأشهر عن الشافعي والأصحاب الجمعة والمنافقون .

                                      قال الشافعي : فإن قرأ في الأولى المنافقين قرأ في الثانية الجمعة - ، قال المتولي وغيره : ولا يعيد المنافقين ، ولو قرأ في الأولى غير الجمعة والمنافقين قال أصحابنا : قرأ في الثانية السورتين بخلاف ما لو ترك الجهر في الأوليين من العشاء لا يجهر في الأخريين ; لأن السنة الإسرار في الأخريين ، ولا يمكنه تدارك السنة الفائتة إلا بتفويت السنة المشروعة الآن وأما هنا فيمكنه جمع السورتين بغير إخلال بسنة ( فإن قيل ) : هذا يؤدي إلى تطويل الركعة الثانية على الأولى ، وهذا خلاف السنة ( فالجواب ) : أن ذلك الأدب لا يقاوم فضيلة السورتين ، والله أعلم .

                                      وقال أبو حنيفة : لا مزية لهاتين السورتين ، ولا لغيرهما ، والسور كلها سواء في هذا ، وقال مالك : يقرأ في الأولى الجمعة والثانية هل أتاك حديث الغاشية .



                                      ( فرع ) هل الجمعة صلاة مستقلة ؟ أم ظهر مقصورة ؟ فيه خلاف مشهور في طريقة الخراسانيين ، وممن نقله من المتقدمين صاحب التقريب حكاه عنه إمام الحرمين وغيره ، وظاهر كلام بعضهم أنه قولان ، وظاهر كلام الآخرين أنه وجهان ، ولعلهما قولان مستنبطان من كلام الشافعي فيصح تسميتها قولين ووجهين ( أصحهما ) : أنها صلاة مستقلة ويستدل له بحديث عمر رضي الله عنه الذي ذكره المصنف ، وبأن ادعاء القصر يحتاج إلى دليل ، وعبر بعض أصحابنا بعبارة أخرى فقال : في الجمعة والظهر يوم الجمعة ثلاثة أقوال ( أحدها ) : كل واحدة أصل بنفسه ( والثاني ) : الظهر أصل والجمعة بدل ، وهو القول بأنها ظهر مقصورة ( والثالث ) : وهو أصحها أن الجمعة أصل والظهر بدل ، وبنى الأصحاب على الخلاف في كونها ظهرا مقصورة أم مستقلة مسائل كثيرة ( منها ) : ما سأذكره في فرع بعد هذا في نية الجمعة إن شاء الله - تعالى - .



                                      ( فرع ) ينبغي لمصلي الجمعة أن ينوي الجمعة بمجموع ما يشترط في النية .

                                      فلو نوى الظهر - قال إمام الحرمين - قال صاحب التقريب : إن [ ص: 404 ] قلنا : الجمعة صلاة مستقلة فلا بد من نية الجمعة فلو نوى ظهرا مقصورة لم تصح ، وإن قلنا : هي ظهر مقصورة فنوى ظهرا مقصورة فوجهان .

                                      ( أحدهما ) : تصح جمعته ; لأنه نوى الصلاة على حقيقتها ( والثاني ) : لا تصح ; لأن مقصود النيات التمييز فوجب التمييز بما يخص الجمعة ; قال : ولو نوى الجمعة ، فإن قلنا هي صلاة مستقلة أجزأته ، وإن قلنا ظهر مقصور فهل يشترط نية القصر ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) لا يشترط ، بل تكفي نية الجمعة ( والثاني ) : يشترط ; لأن الأصل الإتمام ، قال الإمام : وهذا ضعيف غير معدود من المذهب ، هذا آخر كلام الإمام ، ولو نوى الظهر مطلقا من غير تعرض للقصر لم تصح بلا خلاف .




                                      الخدمات العلمية