الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قاله المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويستحب أن يتنظف بسواك ، وأخذ الظفر والشعر ، وقطع الروائح ; ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ; لما روى أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من اغتسل يوم الجمعة واستن ومس من طيب ، إن كان عنده ، ولبس أحسن ثيابه ، ثم خرج حتى يأتي المسجد ولم يتخط رقاب الناس ، ثم ركع ما شاء الله أن يركع ، وأنصت إذا خرج الإمام كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة التي قبلها } وأفضل الثياب البياض ; لما روى سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البسوا ثياب البيض فإنها أطهر وأطيب } ويستحب للإمام من الزينة أكثر مما يستحب لغيره ; لأنه يقتدى به ، والأفضل أن يعتم ويرتدي ببرد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي سعيد وأبي هريرة رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو داود في سننه وغيرهما بأسانيد حسنة ، وهو من رواية محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي ، ومحمد بن إسحاق يحتج به عند الجمهور إذا قال : أخبرني أو حدثني أو سمعت ; ولا [ ص: 410 ] يحتج به إذا قال عن ; لأنه منسوب إلى تدليس وقد قال في رواية أبي داود عن محمد بن إبراهيم ; وفي رواية أحمد والبيهقي : حدثني محمد بن إبراهيم ، فثبت بذلك سماعه وصار الحديث حسنا ; وفي صحيح البخاري ومسلم أحاديث بمعنى بعضه .

                                      ( منها ) عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج لا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى } رواه البخاري .

                                      وعن أبي سعيد أن رسول الله قال : { غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه } رواه مسلم .

                                      وأما حديث سمرة فصحيح رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي وغيرهما في كتاب الجنائز .

                                      قال الحاكم : هو صحيح وفي المسألة أحاديث كثيرة في الندب إلى إحسان الثياب يوم الجمعة والسواك والطيب .

                                      وأما إزالة الشعر والظفر فاحتج لهما البيهقي والمحققون بالأحاديث الصحيحة السابقة في باب السواك في الندب العام إليهما ، وأنهما من خصال الفطرة المندوب إليهما .

                                      وأما ما روي عن ابن عمر وابن عباس من النهي عنهما يوم الجمعة قبل الصلاة فباطل ، ذكره البيهقي وضعفه .

                                      وأما حديث الاعتمام فرواه عمرو بن حريث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { خطب الناس وعليه عمامة سوداء } رواه مسلم في صحيحه .

                                      وأما لبس البرد فرواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال { كان للنبي صلى الله عليه وسلم برد يلبسه في العيدين والجمعة } رواه البيهقي وقوله صلى الله عليه وسلم " واستن " بتشديد النون أي تسوك ، ويقال : أنصت ونصت وتنصت ثلاث لغات ذكرهن الأزهري وغيره أفصحها : أنصت ، وبها جاء القرآن العزيز ، وسبق في الإنصات للخطبة بيان الفرق بينه وبين الاستماع ، وسمرة بن جندب بضم الدال وفتحها .

                                      وقوله " أفضل الثياب البياض " كان الأحسن أن يقول البيض ، ويصح البياض على تقدير أفضل ألوان الثياب البياض ; وهو معنى الحديث " البسوا ثياب البيض ، أي ثياب الألوان البيض ، والبسوا بفتح الباء " .

                                      [ ص: 411 ] وأما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا : يستحب مع الاغتسال للجمعة أن يتنظف بإزالة أظفار وشعر وما يحتاج إلى إزالته كوسخ ونحوه ، وأن يتطيب ويدهن ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه ، وأفضلها البيض ، ويستحب للإمام أكثر مما يستحب لغيره من الزينة وغيرها ، وأن يتعمم ويرتدي ، وأفضل ثيابه البيض كغيره .

                                      هذا هو المشهور ، وذكر الغزالي في الإحياء كراهة لباسه السواد .

                                      وقاله قبله أبو طالب المكي ، وخالفهما الماوردي فقال في الحاوي : يجوز للإمام لبس البياض والسواد .

                                      قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يلبسون البياض .

                                      واعتم النبي صلى الله عليه وسلم بعمامة سوداء قال : وأول من أحدث السواد بنو العباس في خلافتهم شعارا لهم .

                                      ولأن الراية التي عقدت للعباس يوم فتح مكة ويوم حنين كانت سوداء ، وكانت راية الأنصار صفراء .

                                      قال : فينبغي للإمام أن يلبس السواد إذا كان السلطان له مؤثرا ; لما في تركه من مخالفته ، وقال في كتابه الأحكام السلطانية ينبغي للإمام أن يلبس السواد ، ويستدل بحديث عمرو بن حريث .

                                      والصحيح أنه يلبس البياض دون السواد إلا أن يغلب على ظنه ترتب مفسدة على ذلك من جهة السلطان أو غيره ، والله أعلم .

                                      واعلم أن هذا المذكور من استحباب الغسل والطيب والتنظف بإزالة الشعور المذكورة والظفر والروائح الكريهة ولبس أحسن ثيابه - ليس مختصا بالجمعة بل هو مستحب لكل من أراد حضور مجمع من مجامع الناس ، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وغيرهم .

                                      قال الشافعي : أحب ذلك كله للجمعة والعيدين وكل مجمع تجتمع فيه الناس ، قال : وأنا لذلك في الجمع ونحوها أشد استحبابا .

                                      قال الشافعي والأصحاب : وتستحب هذه الأمور لكل من أراد حضور الجمعة ونحوها ، سواء الرجال والصبيان والعبيد ، إلا النساء فيكره لمن أرادت منهن الحضور الطيب والزينة وفاخر الثياب ، ويستحب لها قطع الرائحة الكريهة ، وإزالة الظفر والشعور المكروهة .




                                      الخدمات العلمية