الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويستحب أن يبكر إلى الجمعة ; لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة [ ص: 412 ] الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر وطويت الصحف } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي هريرة هذا قد رواه البخاري ومسلم بلفظه ، وهذا المذكور من أن الساعات خمس هو المشهور في كتب الحديث ، وفي رواية النسائي ست ساعات .

                                      قال : " في الأولى بدنة ، وفي الثانية بقرة ، والثالثة كبشا ، والرابعة بطة ، والخامسة دجاجة ، والسادسة بيضة " وفي رواية النسائي أيضا : " في الرابعة دجاجة ، وفي الخامسة عصفورا ، وفي السادسة بيضة " وإسناد الروايتين صحيحان ; لكن قد يقال : هما شاذان لمخالفتهما سائر الروايات .

                                      وقوله صلى الله عليه وسلم " غسل الجنابة ، معناه غسلا كغسل الجنابة في صفاته وإنما قال ذلك لئلا يتساهل فيه ولا يكمل آدابه ومندوباته .

                                      لكونه سنة ليس بواجب ، هذا هو المشهور في معناه ، ولم يذكر جمهور أصحابنا وجماهير العلماء غيره ، وحكى القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما من أصحابنا أن بعضهم حمله على الغسل من الجنابة حقيقة ، قالوا : والمراد به أنه يستحب له أن يجامع زوجته - إن كان له زوجة - أو أمته ، لتسكن نفسه في يومه ، ويؤيده الحديث المذكور بعد هذا " من غسل واغتسل " على أحد المذاهب في تفسيره كما سيأتي إن شاء الله .

                                      وقوله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح " يستدل به أصحابنا على مالك في اشتراط الرواح عقبه ; لأن ثم للتراخي ، ويستدلون به على الأوزاعي في تجويزه الاغتسال قبل الفجر ; لأن ما قبل الفجر ليس من يوم الجمعة بالاتفاق .

                                      وهذه الرواية مبينة لغسل الجمعة المطلق في غيرها ، وقوله صلى الله عليه وسلم ثم راح أي في الساعة الأولى ، وأما حقيقة الرواح والمراد به فسنذكره عقب هذه المسألة إن شاء الله - تعالى - .

                                      ( وقوله ) صلى الله عليه وسلم : " قرب بدنة " إلى آخره معنى قرب بدنة تصدق بها .

                                      والمراد بالبدنة هنا الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى وفي حقيقة البدنة [ ص: 413 ] خلاف لأهل اللغة والفقهاء قال الجمهور : يقع على الواحد من الإبل والبقر والغنم ، وسميت بذلك لعظم بدنها ، وقيل : يختص بالإبل والبقر ، ويقع على الذكر والأنثى ، سميت بقرة ; لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة ، والبقر الشق ووصف الكبش بأنه أقرن ; لأنه أحسن وأكمل في صورته ، والدجاجة - بفتح الدال وكسرها - يقع على ذكر وأنثى ، ويقال : حضرت الملائكة وغيرهم بفتح الضاد على المشهور ، وحكى ابن السكيت وجماعات كسرها ، قالوا : وهؤلاء الملائكة غير الحفظة بل طائفة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة ، ثم يحضرون يسمعون الخطبة .

                                      وفي هذا الحديث حجة لنا وللجمهور على مالك ، فإنه قال : التضحية بالبقرة أفضل من البدنة ، وفي الهدي في الحج قال : البدنة أفضل ، وعندنا وعند الجمهور البدنة أفضل فيهما ، ودليلنا أن القربان يطلق على الأضحية والهدي ، وهذا الحديث صريح في ترجيح البدنة على البقرة في القربان ، ومعنى الحديث : الحث على التبكير إلى الجمعة ، وأن مراتب الناس في الفضيلة فيه وفي غيره على قدر أعمالهم كقوله تعالى - : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } واتفق أصحابنا على استحباب التبكير إلى الجمعة ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية