الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وصلاته ركعتان كصلاة العيد . ومن أصحابنا من قال : يقرأ في الأولى ب ( ق ) وفي الثانية بسورة ( نوح ) صلى الله عليه وسلم لأن فيها ذكر الاستسقاء ، والمذهب أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد لما روي أن مروان أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء فقال : { سنة الاستسقاء الصلاة في العيدين ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداء فجعل يمينه يساره ، ويساره يمينه وصلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ ب سبح اسم ربك الأعلى ، وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية ، وكبر خمس تكبيرات } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس ضعيف ، رواه الدارقطني بإسناده عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن طلحة بن [ ص: 76 ] عبد الله بن عوف قال : أرسلني مروان فذكره . ومحمد هذا ضعيف ، قال ابن أبي حاتم في كتابه : سألت أبي عنه فقال هم ثلاثة إخوة : محمد وعبد الله وعمران بنو عبد العزيز والثلاثة ضعفاء ليس لهم حديث مستقيم ، وقد يقال : لا دلالة في الحديث لو صح فإنه ليس مطابقا لما ادعاهالمصنف ، فإنه قال : قرأ ب ( سبح ) و ( هل أتاك ) ، ودعوى المصنف أنه يقرأ ( ق ) و ( اقتربت ) . وجوابه أن صلاة العيد شرع فيها ( ق ) و ( اقتربت ) ، وشرع أيضا ( سبح ) و ( هل أتاك ) ، وكلاهما سنة ثابتة في صحيح مسلم ، وسبق بيانه في صلاة العيد ، فذكر ابن عباس أحد المشروعين في صلاة العيد ولم يذكر سورة ( نوح ) ، بخلاف ما ادعاه صاحب الوجه الآخر والله أعلم .

                                      ( أما الأحكام ) فقال الشافعي والأصحاب : صفة هذه الصلاة أن ينوي صلاة الاستسقاء ويكبر ركعتين مثل صلاة العيد ، فيأتي بعد تكبيرة الإحرام بدعاء الاستفتاح ، ثم يكبر سبع تكبيرات ، وفي الثانية خمس تكبيرات زائدة ثم يتعوذ ثم يقرأ الفاتحة ، ويذكر الله تعالى بين كل تكبيرتين من السبع والخمس الزوائد كما سبق في صلاة العيد ، ويرفع يديه حذو منكبيه مع كل تكبيرة ويجهر بالقراءة ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ( قاف ) ، وفي الثانية ( اقتربت الساعة ) . هكذا نص عليه الشافعي وقاله جمهور الأصحاب . وحكى المصنف وغيره وجها لبعض الأصحاب يستحب في الأولى ( قاف ) وفي الثانية ( إنا أرسلنا نوحا ) ، ونص الشافعي أنه يقرأ فيهما ما يقرأ في العيد . قال : وإن قرأ ( إنا أرسلنا نوحا ) كان حسنا . هذا نصه في الأم : وهو مشهور في كتب الأصحاب عن نصه . قال الرافعي : هذا يقتضي أن لا خلاف في المسألة ، وأن كلا سائغ ، قال : ومنهم من قال : في الأفضل خلاف الأصح أنه يقرأ ما يقرأ في العيد ( قلت ) اتفق أصحابنا المصنفون على أن الأفضل أن يقرأ ما يقرأ في العيد .

                                      وأما قول صاحب الحاوي قال أصحابنا : لو قرأ في الثانية { إنا أرسلنا نوحا } كان حسنا فلا يخالف ما ذكرناه لأنه بلفظ نص الشافعي . ومعنى قوله : إنه كان حسنا . أنه مستحسن لا كراهة فيه ، وليس فيه أنه أفضل من ( اقتربت الساعة ) . [ ص: 77 ] قال صاحب الحاوي وغيره : لو حذف التكبيرات أو زاد فيهن أو نقص منهن صحت صلاته ولا يسجد للسهو ، ولو أدركه مسبوق في أثناء التكبيرات الزائدة أو بعد فراغها ، فهل يقضي المأموم التكبيرات ؟ فيه القولان السابقان في صلاة العيد ، الصحيح الجديد لا يقضي ، هكذا صرح به القاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والأصحاب ، وقال الشيخ أبو حامد وغيره : حكم التكبيرات هنا على ما سبق في تكبيرات صلاة العيد وفاقا وخلافا .



                                      ( فرع ) في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه ( أحدها ) وقتها وقت صلاة العيد ، وبهذا قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني وصاحبه المحاملي في كتبه الثلاثة ، المجموع والتجريد والمقنع ، وأبو علي السنجي والبغوي ، وقد يستدل له بحديث ابن عباس السابق ولكنه ضعيف .

                                      ( والوجه الثاني ) أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلي العصر وهو الذي ذكره البندنيجي والروياني وآخرون .

                                      ( والثالث ) وهو الصحيح بل الصواب أنها لا تختص بوقت بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار ، إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين . وهذا هو المنصوص للشافعي ، وبه قطع الجمهور وصححه المحققون ، ممن قطع به صاحبا الحاوي والشامل وصاحب التتمة وآخرون ، وصححه الرافعي في المحرر وغيره ، ونقله صاحب الشامل وصاحب جمع الجوامع في نصوص الشافعي عن نص الشافعي ، واستصوبه إمام الحرمين وقال : لم أر التخصيص بوقت لغير الشيخ أبي علي السنجي ، واستدلوا له بأنها لا تختص بيوم فلا تختص كصلاة الاستخارة وركعتي الإحرام وغيرهما ، وليس لتخصيصها بوقت صلاة العيد وجه أصلا فلا يغتر بوجوده في الكتب التي أضافته إليها ، فإنه مخالف للدليل ولنص الشافعي ولأكثر الأصحاب .

                                      فإن قيل : فقد قال الشافعي في الأم في آخر باب " كيف صلاة الاستسقاء قبل الزوال ؟ " يصليها بعد الظهر وقبل العصر ، هذا نصه ، وظاهره مخالف للأصح .

                                      ( والجواب ) أن هذا صريح في أنها لا تختص بوقت صلاة العيد ، [ ص: 78 ] ومراد الشافعي أنه يصليها بعد الظهر ولا يصليها بعد العصر لأنه وقت كراهة الصلاة ، وقد سبق أن صلاة الاستسقاء لا تصلى في وقت النهي على الأصح فنصه موافق للصحيح وهو أنها لا تختص بوقت أصلا .




                                      الخدمات العلمية