الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( قال في الأم : يكبر الرابعة ويسلم . وقال في البويطي : يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، والتسليم كالتسليم في سائر الصلوات ، لما روي عن عبد الله رضي الله عنه قال : { أرى ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركها الناس إحداها : التسليم على الجنازة ، مثل التسليم في الصلاة ، } والتسليم واجب ; لأنها صلاة يجب لها الإحرام فوجب الخروج منها بالسلام كسائر الصلوات وهل يسلم تسليمة واحدة أم تسليمتين على ما ذكرناه في سائر الصلوات ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عبد الله هو ابن مسعود رواه البيهقي بإسناد جيد ( وقوله ) : لا تحرمنا أجره - هو بفتح التاء وضمها - لغتان الفتح أفصح . يقال : حرمه وأحرمه فصيحتان ( وقوله ) : لأنها صلاة يجب لها الإحرام فوجب [ ص: 199 ] الخروج منها بالسلام كسائر الصلوات ، وهل يسلم تسليمة أم تسليمتين ؟ احتراز من الطواف فإنه صلاة ولا يفتقر إلى تكبيرة إحرام .

                                      ( أما الأحكام ) ففيه مسألتان : ( إحداهما ) : للشافعي هذان النصان المذكوران في الذكر عقب التكبيرة الرابعة ، واتفق الأصحاب على أنه لا يجب فيها ذكر ، وقطع الجمهور في جميع طرقهم باستحباب الذكر فيها . وحكى الرافعي في استحبابه طريقين ( المذهب ) الاستحباب ( والثاني ) : فيه وجهان ( أصحهما ) : الاستحباب ( والثاني ) : أنه مخير إن شاء قاله ، وإن شاء تركه . والصواب الاستحباب . قال صاحب البيان ، قال أصحابنا : هذان النصان للشافعي ليسا قولين ، ولا على اختلاف حالتين ، بل ذكر الاستحباب في موضع وأغفله في موضع ، وكذا قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وآخرون ، وإذا قلنا بالاستحباب لم يتعين له دعاء ، ولكن يستحب هذا الذي نقله البويطي : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، هكذا هو في البويطي ، وكذا ذكره الجمهور . وزاد المحاملي في التجريد والمصنف في التنبيه والشاشي وغيرهم : واغفر لنا وله . وقال صاحب الحاوي : حكى أبو علي بن أبي هريرة أن المتقدمين كانوا يقولون في الرابعة : اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا برحمتك عذاب النار . قال : وليس ذلك عن الشافعي . فإن قاله كان حسنا ، ودليل استحبابه { أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما كبر على جنازة بنت له فقام بعد التكبيرة الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو ، ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا . وفي رواية كبر أربعا فمكث ساعة حتى ظننا أنه سيكبر خمسا ، ثم سلم عن يمينه وعن شماله ، فلما انصرف قلنا له فقال : إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ، أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي قال الحاكم : حديث صحيح .



                                      ( المسألة الثانية ) السلام ركن في صلاة الجنازة لا تصح إلا به بلا خلاف عندنا ، لما ذكره المصنف ، ولحديث ابن أبي أوفى الذي ذكرناه في المسألة [ ص: 200 ] الأولى مع قوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } وأما صفة السلام ففيه نصان للشافعي هنا ، المشهور أنه يستحب تسليمتان قال الفوراني : وهو نصه في الجامع الكبير . وقال في الأم : تسليمة واحدة يبدأ بها إلى يمينه ويختمها ملتفتا إلى يساره فيدير وجهه وهو فيها ، هذا نصه ، وقيل : يأتي بها تلقاء وجهه وهو أشهر . قال إمام الحرمين ولا شك أن هذا الخلاف في صفة الالتفات يجري في سائر الصلوات ، إذا قلنا يقتصر تسليمة ، فهذان نصان للشافعي . وللأصحاب طريقان .

                                      ( أحدهما ) : طريقة المصنف والعراقيين وبعض الخراسانيين أن التسليم هنا كالتسليم في سائر الصلوات ، فيكون فيه ثلاثة أقوال : ( أصحها ) : يستحب تسليمتان .

                                      ( والثاني ) : تسليمة ( والثالث ) : إن قل الجمع أو صغر المسجد فيسلم تسليمة وإلا فتسليمتان ( والطريق الثاني ) : حكاه إمام الحرمين وجماعات من الخراسانيين أن هذا مرتب على سائر الصلوات - إن قلنا هناك تسليمة - فهنا أولى وإلا فقولان " أصحهما : " تسليمتان ، وهذا الطريق أصح ; لأن الاقتصار على تسليمة واحدة هناك قول قديم ، وهنا هو نصه في الإملاء وهو من الكتب الجديدة . وإذا قلنا تسليمة فوجهان حكاهما الشيخ أبو علي السنجي وإمام الحرمين وبه قطع الجمهور يقول السلام عليكم ورحمة الله كغيرها من الصلوات .

                                      ( والثاني ) : يستحب الاقتصار على السلام ; لأنها مبنية على التخفيف ، ولو قال السلام عليك من غير " كم " ضمير الجمع فالمذهب أنه لا يجزئه ، وبهذا قطع الجمهور كسائر الصلوات ، وحكى إمام الحرمين في إجزائه ترددا ، ، والمذهب من هذا كله أنه يشرع في السلام هنا ما يشرع في سائر الصلوات والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية