الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا ملك النصاب وحال عليه الحول ، ولم يمكنه الأداء ففيه قولان : ( قال في القديم ) : لا تجب الزكاة قبل إمكان الأداء ، فعلى هذا تجب الزكاة بثلاثة شروط : الحول ، والنصاب ، وإمكان الأداء ، والدليل عليه أنه لو هلك المال لم يضمن زكاته فلم تكن الزكاة واجبة كما قبل الحول ( وقال في الإملاء ) : تجب ، وهو الصحيح فعلى هذا تجب الزكاة بشرطين : الحول والنصاب - وإمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب ، والدليل عليه أنه لو كانت الزكاة غير [ ص: 342 ] واجبة لما ضمنها بالإتلاف كما الحول ، فلما ضمن الزكاة بالإتلاف [ بعد الحول ] دل على أنها واجبة فإن كان معه خمس من الإبل [ و ] هلك منها واحدة بعد الحول وقبل إمكان الأداء ( فإن قلنا ) : [ إن ] إمكان الأداء شرط في الوجوب سقطت الزكاة ; لأنه نقص المال عن النصاب قبل الوجوب ، فصار كما لو هلك قبل الحول ، وإن قلنا : إنه ليس بشرط في الوجوب ، وإنما هو شرط في الضمان سقط من الفرض خمسه ، ووجب أربعة أخماسه . وإن كان عنده نصاب ، فتوالدت بعد الحول وقبل إمكان الأداء ففيه طريقان : ( أحدهما ) : أنه يبني على القولين فإن قلنا : إمكان الأداء شرط في الوجوب ضم الأولاد إلى الأمهات ، فإذا أمكنه الأداء زكى الجميع وإن قلنا : شرط في الضمان لم يضم ; لأنه حصل الأولاد بعد الوجوب ، فمن أصحابنا من قال : في المسألة قولان : من غير بناء على القولين ( أحدهما ) : تضم الأولاد إلى ما عنده لقول عمر رضي الله عنه : " اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يديه " والسخلة التي يروح بها الراعي على يديه لا تكون إلا بعد الحول ، وأما ما تولد قبل الحول ، فإنه بعد الحول يمشي بنفسه ( والثاني ) : وهو الصحيح لا يضم إلى ما عنده [ ; لأنه الزكاة قد وجبت في الأمهات والزكاة لا تسري إلى الولد ; لأنها لو سرت بعد الوجوب لسرت بعد الإمكان ; لأن الوجوب فيه مستقر وحال استقرار الوجوب آكد من حال الوجوب ، فإن لم تسر الزكاة إليه في حال الاستقرار ، فلألا تسري قبل الاستقرار أولى ] ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : حديث عمر سبق بيانه قريبا ، وأنه صحيح وسبق بيان حقيقة السخلة قال أصحابنا : إذا حال الحول على النصاب ، فإمكان الأداء شرط في الضمان بلا خلاف ، وهل هو شرط في الوجوب ؟ فيه قولان : مشهوران ( أصحهما ) : باتفاق الأصحاب أنه ليس بشرط في الوجوب ، وإنما هو شرط في الضمان نص عليه في الإملاء من كتبه الجديدة ( والثاني ) : أنه شرط نص عليه في الأم والقديم ، وهو مذهب مالك ودليلهما في الكتاب . واحتجوا أيضا للقديم بالقياس على الصلاة والصوم والحج ، فإن التمكن فيها شرط لوجوبها . واحتجوا للأصح أيضا بأنه لو تأخر الإمكان مدة بعد [ ص: 343 ] انقضاء الحول ، فإن ابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الأول من الإمكان . قال أصحابنا : وهذا لا خلاف فيه ، وقد سبق في أواخر الباب الأول بيان كيفية إمكان الأداء وما يتعلق به ويتفرع عليه . قال أصحابنا : وقولنا إمكان الأداء شرط في الضمان معناه يضمن من الزكاة بقدر ما بقي من النصاب ، فلو هلك النصاب كله بعد الحول وقبل إمكان الأداء فلا شيء على المالك بلا خلاف كما ذكر المصنف ; لأنا إن قلنا : الإمكان شرط في الوجوب ، فلم يصادف وقت الوجوب مالا . وإن قلنا : شرط في الضمان ، فلم يبق شيء يضمن بقسطه ، فلو حال الحول على خمس من الإبل فتلف واحد قبل الإمكان ، فلا زكاة على التالف بلا خلاف ، وأما الأربعة ، فإن قلنا : الإمكان شرط [ في الوجوب فلا شيء فيها وإن قلنا : شرط ] في الضمان فقط وجب أربعة أخماس شاة ولو تلف أربعة ، فعلى الأول لا شيء ، وعلى الثاني يجب خمس شاة ، ولو ملك ثلاثين بقرة ، فتلف خمس منها بعد الحول وقبل الإمكان ، فعلى الأول لا شيء عليه وعلى الثاني يجب خمسة أسداس تبيع ، ولو تم الحول على تسع من الإبل ، فتلف أربعة قبل الإمكان . فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب وجب شاة ، وإن قلنا : شرط في الضمان والوقص عفو فكذلك ، وإن قلنا : يتعلق الفرض بالجميع ، فالصحيح الذي قطع به الجمهور يجب خمسة أتساع شاة ، وقال أبو إسحاق : يجب شاة كاملة ، وسيأتي بيان وجه أبي إسحاق . هذا ودليله في أوائل الباب الذي بعد هذا في مسألة الأوقاص هل هي عفو ؟ أم لا ؟ إن شاء الله تعالى . ولو كانت المسألة بحالها فتلف خمس فإن قلنا : الإمكان شرط في الوجوب فلا شيء عليه ، وإن قلنا : شرط في الضمان والوقص عفو وجب أربعة أخماس شاة وإن قلنا : ليس بعفو فأربعة أتساع شاة ولا يجيء وجه أبي إسحاق . ولو ملك ثمانين شاة ، فتلف بعد الحول وقبل الإمكان أربعون ، فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب أو الضمان ، والوقص عفو فعليه شاة ، وإن قلنا : يتعلق بالجميع فنصف شاة ، وعلى وجه أبي إسحاق شاة كاملة ، ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا فتلف بعد الحول وقبل الإمكان [ ص: 344 ] خمس فإن قلنا : الإمكان شرط في الوجوب لزمه أربع شياه ، وإلا فأربعة أخماس بنت مخاض . وأما إذا كان عنده نصاب ، فتوالدت بعد الحول وقبل الإمكان ، ففيها طريقان ذكرهما المصنف بدليليهما ، وفيها طريق ثالث ، أنه لا يجب شيء في المتولد قولا واحدا وقد سبق بيان هذا كله في الفصل الذي قبل هذا ، والمذهب أنه لا يضم النتاج إلى الأمهات في هذا الحول بل يبدأ حولها من حين ولادتها والله أعلم . وأما قول المصنف : لو كانت الزكاة غير واجبة لما ضمنها بالإتلاف ، فمعناه أن رب المال لو أتلف المال بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تسقط عنه الزكاة بلا خلاف لتقصيره بالإتلاف بخلاف ما إذا أتلف باقيه ، فإنه لا يضمن ; لأنه لا تقصير ( وأما ) : إذا أتلفه غير المالك فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب لم تجب الزكاة ، وإن قلنا : شرط في الضمان وقلنا : الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة أيضا ، وإن قلنا : تتعلق بالعين انتقل حق الفقراء إلى القيمة ، كما لو قتل المرهون أو الجاني .



                                      ( وأما ) : قوله : التفريع فيما إذا هلك بعض النصاب قبل التمكن سقطت الزكاة فمعناه لم تجب : وليس هو سقوطا حقيقيا ، وهذا كثير يستعمله الأصحاب نحو هذا الاستعمال ووجهه : أنه لما كان سبب الوجوب موجودا ثم عرض مانع الوجوب صار كمسقط ما وجب فسمي سقوطا مجازا ، والله أعلم .



                                      فرع : في مذاهب العلماء في إمكان الأداء قد ذكرنا أن مذهبنا أنه شرط في الضمان على الأصح ، فإن تلف المال بعد ضمان الزكاة ، وإن تلف قبله فلا ، وقال أحمد : يضمن في الحالين ، والتمكن عنده ليس بشرط في الوجوب ولا في الضمان وقال أبو حنيفة : إذا تلف بعد التمكن لم يضمن إلا أن يطالبه الإمام أو الساعي فيمنعه . ومن أصحابنا من قال : لا يضمن وإن طولب وقال مالك : إذا ميز الزكاة عن ملكه وأخذها ليسلمها إلى الفقراء ، فتلفت في يده بلا تفريط لم يضمن [ ص: 345 ] وسقطت عنه ، وقال داود : إن تلفت بلا تعد سقطت الزكاة ، وإن منعها كان ضامنا بالتلف ، وإن تلف بعض المال سقط من الزكاة بقسطه دليلنا القياس على دين الآدمي .




                                      الخدمات العلمية