الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 473 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وتضم الأنواع من جنس واحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب فيضم العلس إلى الحنطة ; لأنه صنف منها ولا يضم السلت إلى الشعير . وهو حب يشبه الحنطة في الملامسة . ويشبه الشعير في طوله وبرودته . وقال أبو علي الطبري : يضم السلت إلى الشعير كما يضم العلس إلى الحنطة ، والمنصوص في البويطي أنه لا يضم ; لأنهما جنسان بخلاف العلس والحنطة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى ، على أنه لا يضم جنس من الثمار والحبوب إلى جنس في إكمال النصاب ، وعلى أنه يضم أنواع الجنس الواحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب . وهذا ضابط الفصل . قالوا : فلا يضم الشعير إلى الحنطة ولا هي إليه ولا التمر إلى الزبيب ولا هو إليه ولا الحمص إلى العدس : ولا الباقلا إلى الهرطمان . ولا اللوبيا إلى الماش . ولا غير ذلك . قالوا : ويضم أنواع التمر بعضها إلى بعض .

                                      وإن اختلفت أنواعه في الجودة والرداءة واللون وغير ذلك . وكذا يضم أنواع الزبيب بعضها إلى بعض . وأنواع الحنطة بعضها إلى بعض . وكذا أنواع باقي الحبوب ولا خلاف في شيء من هذا واتفقوا أيضا على أن العلس يضم إلى الحنطة ، فإذا كان له أربعة أوسق حنطة ووسقان من العلس قبل تنحية القشر ضمها إلى الحنطة ولزمه العشر من كل نوع ، ولو كانت الحنطة ثلاثة أوسق لم يتم النصاب إلا بأربعة أوسق علسا وعلى هذه النسبة إن كان قد ينحي العلس من قشره كان وسقه كوسق الحنطة ، وقد سبق هذا كله واضحا ، وأما السلت فقال المصنف وسائر العراقيين والبغوي والسرخسي وغيرهم : هو حب يشبه الحنطة في اللون والملاسة والشعير في برودة الطبع ، وعكس الصيدلاني وآخرون هذا ، فقالوا : صورته صورة الشعير ، وطبعه حار كالحنطة ، والصواب ما قاله العراقيون ، وهو المعروف عند أهل اللغة وعليه جمهور الأصحاب ، وفي حكمه ثلاثة أوجه الصحيح المنصوص في الأم والبويطي ، وبه قطع القفال والصيدلاني والجمهور : أنه أصل بنفسه لا يضم إلى الحنطة ولا إلى الشعير ، بل إن بلغ وحده نصابا زكاه وإلا فلا ، ودليله ما ذكره المصنف . [ ص: 474 ]

                                      ( والثاني ) : أنه نوع من الشعير فيضم إليه وهو قول أبي علي الطبري . قال إمام الحرمين : وهو الذي كان يقطع به شيخي ، ورجحه صاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب في المجرد . ( والثالث ) : أنه نوع من الحنطة ، فيضم إليها ، حكاه إمام الحرمين وآخرون ، وعزاه السرخسي إلى صاحب التقريب ، قال إمام الحرمين : قال الشيخ أبو علي يعني السنجي : إن ضممنا السلت إلى الحنطة لم يجز بيعها به متفاضلا ، وإن ضممناه إلى الشعير لم يجز بيعه به متفاضلا . وإن قلنا : هو جنس مستقل جاز بيعه بالحنطة وبالشعير متفاضلا ، قال الإمام : ولا شك فيما قاله أبو علي ، وهو كما قالاه والله تعالى أعلم .

                                      ( فرع ) : في مذاهب العلماء في الضم ، قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يضم الأنواع من الجنس بعضها إلى بعض ، ولا تضم الأجناس فلا تضم حنطة إلى شعير ونحو ذلك . ولا يضم أجناس القطنية بعضها إلى بعض ; فلا يضم الحمص إلى الباقلاء والعدس ونحو ذلك ، وبه قال عطاء بن أبي رباح ومكحول والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وشريك وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين عنه حكاه عنهم ابن المنذر وقالت طائفة : تضم الحنطة إلى الشعير والسلت إليهما ، وتضم القطاني كلها بعضها إلى بعض ، ولكن لا تضم إلى الحنطة والشعير ، وهذا مذهب مالك ورواية عن أحمد وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري والزهري ضم القمح إلى الشعير ، وحكى ابن المنذر عن طاوس وعكرمة ضم الحبوب مطلقا ، قال : ولا أعلم أحدا قاله يعني غيرهما إن صح عنهما قال : وأجمعوا على أنه لا تضم الإبل إلى البقر ولا إلى الغنم ولا البقر إلى الغنم ، ولا التمر إلى الزبيب . دليلنا القياس على المجمع عليه ، وليس لهم دليل صحيح صريح فيما قالوه ، والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية